نقطة تحول..!!
} ثمة نقطة تحول في حياة الكثير من البشر، خاصة المبدعين منهم، فمثلاً الأديب الإنكليزي المعروف “سومرست موم” الذي كان في الأصل طبيباً ثم تحول إلى (الأدب)، وذلك بعد أن مرّ بتجربة طريفة، حيث كان “سومرست موم” يعاني من (اللعثمة) في نطق الحروف منذ طفولته، وبالتالي كان يجد صعوبة في التعبير عن نفسه شفاهة، وبعد أن أصبح طبيباً زاره أحد المرضى وكان أستاذاً جامعياً، وحينما كشف عليه جلس “سومرست موم” ليشرح له المرض الذي يعاني منه وطريقة علاجه ولكنه وجد صعوبة بالغة في توصيل ما يريد أن يقوله مما دفعه لتسجيل كل ذلك في ورقة سلمها لمريضه الأستاذ الجامعي، الذي اندهش ما أن قرأها بروعة أسلوب “سومرست موم” فأكد له أن مكانه الحقيقي هو (الأدب) وليس (الطب)، وبالفعل عاد “سومرست موم” إلى منزله يملأه الحماس في أن يكون أديباً، وكانت هذه القصة التي حدثت له هي أول نتاجه الأدبي، لتتوالى بعد ذلك أعماله التي جعلت منه (أديباً) من طراز فريد.
} إنها (نقطة التحول) التي أوجدت مبدعاً كبيراً في قامة الأديب “سومرست موم”، وهو ليس وحده الذي غير مجرى حياته بسبب واقعة محددة، وإنما هناك كثيرون غيره في التاريخ كانت وراء عبقريتهم وشهرتهم دوافع إنسانية جعلتهم يصلون إلى اكتشاف (حقائق) مذهلة، فالعالم والجراح الاسكتلندي سير “جيمس يونغ سمبسون” مكتشف الـ(كلورفورم) الذي يعد أول عقار للتخدير يستخدم في إجراء العمليات الجراحية، وصل إلى اكتشافه هذا بعد أن شاهد بأم عينه (أمه) وهي تعاني بقسوة من آلام عملية جراحية إلى درجة فقدت معها الوعي، وهو مشهد كان كفيلاً بأن يدفع ابنها “سمبسون” لاكتشاف عقار يضع حداً لهذا الألم الفظيع.. وهذا ما كان بالفعل، ولكن للأسف فقد رأى هذا الاكتشاف النور بعد رحيل أمه، وبعد أن خضعت لتجربة الألم المرير.. غير أن المؤكد أن كل الأمهات وكل البشر استفادوا من بعد ذلك بهذا الاكتشاف المذهل، الذي لولاه لاستمر مسلسل الألم المرعب حتى يومنا هذا.
} وبعيداً عن (نقاط التحول) في حياة البشر أو حتى (الدوافع)، فهناك مواقف أخرى (عصيبة) وغير (محتملة) تعصف أحياناً بالبعض، ولكنهم يخرجون منها بِحِكَم رائعة ومن ذلك ما حدث للعالم الأمريكي “توماس أديسون” عندما احترقت معامله الهائلة في مدينة نيوجرسي الأمريكية التي يقدر ثمنها بالملايين من الدولارات، إلى جانب ما كانت تحويه هذه المعامل من معلومات علمية مهمة لا تقدر بثمن استغرقت منه كل جهده وحياته.. كان المشهد (مأساوياً) إلى حد يمكن أن يصيب صاحبه بـ(الجنون)، تماماً مثلما يحدث لمن يخسرون كل أموالهم في (البورصة) مع الفارق في القيمة والجهد، ولكن هذا الرجل العنيد قابل (الحريق) بحكمة وروية وقال لأسرته بالحرف الواحد: (حقيقة كارثة، ولكنها لا تخلو من نفع، فقد التهم الحريق جهدي ومالي، ولكنه خلصني أيضاً من أخطائي.. شكراً لله، فنحن نستطيع الآن أن نبدأ من جديد بلا أخطاء!).
} لقد مرَّ العلماء والأدباء في العالم بامتحانات وابتلاءات عسيرة، وكانوا يواجهون ذلك بالصمود والتحدي والاستمرار في مشروعاتهم وتجاربهم وإبداعاتهم، ويتفاءلون بالمستقبل لأنه كفيل بأن يضع حداً لمعاناتهم، وكفيل بأن ينتصر لرؤاهم وأفكارهم. ولعل قصة “ألكسندر فلمنغ” مخترع الـ(بنسلين) تؤكد هذه الحقيقة حينما نعلم أن كل من كانوا حول هذا المخترع لم يقتنعوا في بادئ الأمر بأهمية اختراعه، فظل الاختراع حبيس الأدراج والظلمة إلى أن اكتشفوا الحاجة الماسة إليه مع تزايد جرحى ومرضى الحرب العالمية الثانية، فهرعوا إلى (الاختراع) والتفوا حوله واحتفوا بمخترعه، وكان الـ(بنسلين) بعد ذلك وحتى يومنا هذا هو العقار (المنقذ) للكثير من المرضى والجرحى!
} وفي حياتنا اليومية توجد مشاهد وشواهد كثيرة على فلسفة (التحول) ومنطق (الدافع) وتجربة (المعاناة)، لكن– للأسف– ليس كل الناس يملكون ذات القدرة الإنسانية المدهشة على استغلال كل هذه التحولات والدوافع والمعاناة لصالح ذواتهم والبشرية جمعاء!