السيدة «ثريا».. عزيمة قهرت الظروف وأثمرت نجاحاً
(أنا امرأة عابرة في الحياة قررت أن أصبح قصة نجاح، وللقصة بذلك كل ما يجب أن تبذله امرأة من قاع المجتمع، لم تملك يوماً ثمن طعام العشاء أو فستان الصباح، كان الحزن مصيري، فأخذته من يديه والقيته في سلة المهملات، وانطلقت أغير مصيري بنفسي، لم انتظر مساعدة من أحد، لم انتظر شفقة من أحد، لم انتظر نصيحة أحد. إن المؤشر الحقيقي لنجاح “أوبرا” هو قدرتها على النجاح والتغيير الحقيقي أو التعامل الحقيقي مع قضايا الناس.. ويسأل الناس ماهو سر نجاح هذه المرأة؟!!)
التوقيع “أوبرا وينفري”
في تاريخنا المعاصر هناك الكثير من الأسماء اللامعة التي حفرت لنفسها أروع العناوين وأجمل المضامين على أحجار الصوان الأشد صلابة بين أحجار الأرض، واستطاعت باقتدار منقطع النظير أن توجد لنفسها أرضية صلبة في الطريق الذي مشت فيه، سيرة تستدعي فينا الشعور بأن لكل مجتهد نصيب في حياته محطات مهمة مثلت علامات فارقة في تاريخه وكان لها الأثر في إحداث كثير من الأمور المرتبطة بأكثر من شأن، ولنا في بعض بنات حواء غض النظر عن مللهم وأماكنهم وأعمارهم أسوة تقتدي بها بنات جنسها ممن سلبتهن الحياة نعيمها، فغذين فكرهن وأعملنه في مفاصلها حتى قوي العود واشتد الساعد، ثم تعلمن كيف يسرقن الحياة من الحياة إلى أن اكتنزت كل الخزائن الخاوية وأضحت رقماً يشار إليه بالبنان.
كفاح رغم أنف الظروف
ومن بين هؤلاء ضربت بعض السودانيات مثلاً رائعاً في العصامية. وفي مساحتنا التالية أنموذجاً رائعاً لامرأة سودانية حفرت بأظافرها على الصخر هي الأستاذة “ثريا محمد عبد الله” وحري بنا أن نعود إلى الوراء لمعرفة الجوانب العصامية عند هذه المرأة التي لم تستطع الحياة بقهرها أن تحشرها في زاوية اليأس والسكون لتنفذ من بين ثناياها، وتتسرب تتلمس ما يمكن أن يعوضها ما حرمت منه. وهذه الثريا من مواليد مدينة (تلودي) جنوب كردفان في الأربعينيات توقفت بها مسيرتها التعليمية عند الصف الرابع (ابتدائي) وذلك في نهاية الخمسينيات، متزوجة من ابن عمتها في العام 1967م ولما كانت حالتهم متواضعة عكفت تعمل لتساعد زوجها في تربية الأبناء السبعة والأمور المعيشية ليس لبيتها الصغير فقط بل لأسرتها الكبيرة أيضاً، فقد كان والدها متوفى فآثرت أن تكون عائلاً لأشقائها رغم ضيق العيش.
وللتكسب دروب وعرة
كانت تسعى لتكسب بأية وسيلة حتى وأن كان عائدها ضعيفاً، فتخصصت في ضرب عمود الجلابيب الرجالية وكذا بيع الأيسكريم، ولما ضاقت بهم السبل وعصرتهم الحياة تشبثوا بعصبها ولاذوا مستعصمين بالعاصمة واستقروا بـ(المايقوما) قبل أن ينتقلوا مجدداً إلى (الجرافة) بأم درمان، وذلك في بداية التسعينيات ورغم معاناتهم المعيشية إلا أن منزلها كان عبارة عن نادٍ وركيزة لكل الأسرة داخل وخارج العاصمة ومنبر حيوي للجيران، كل ذلك وهي تواصل عطاءها وتعمل بهمة في كل ما من شأنه أن يدر عليها دخلاً، قامت بمشروع لتربية الدواجن تسكت من ريعه البطون الجائعة والعقول الخاوية ورغم أن عيناً أصابت مشروعها في مقتل بنفوق ست دستات من الدواجن في يوم واحد، إلا أنها احتسبت فيهم الله ولم تيأس وقبل ذلك اشترت فرناً لصنع الحلويات وبيعها، وخرج أولادها للشارع يبيعون الجرائد وأغلبهم بالجامعات.
إختزال النجاح من المعاناة
وبعد هذه المرحلة بلغت حداً من شظف العيش لا يمكن وصفه ولا تصلح قصصه للنشر بحد تعبير شقيقها “سيد أحمد محمد عبد الله” الذي يفخر بها وبتجربتها المتفردة التي ضربت خلالها مثلاً للعصامية والكفاح، فقال في حقها (ما لا تعرفونه عنها رغم ما أحاطت بها من ظروف لو مر بها غيرها لأظلمت الدنيا أمام عينيه وسئم الحياة، واعتزل الناس، إلا أنها ظلت شامخة كالنخلة في وجه رياح الفقر والبؤس، تعافس وتدافس وتواصل ليلها بنهارها، تساعد زوجها الخلوق “التوم بابكر صالح” ليوفرا معاً حاجة أسرتهما، فرغم ما مر بها من ظرف قاهرة، إلا أنها أصرت أن يواصل أبناؤها دراستهم، وحين سُدت كل المنافذ في وجهها، فكرت في الهجرة إلى (أمريكا)، ولما أُتيح لها ذلك تيقنت أنها وطئت أرض الأحلام، وأن كل المعيقات التي تقف في وجه تطورها وتقدمها في الحياة قد أُزيلت، وهناك بدأت حياة مختلفة، وتبدلت همومها إلى هم أكبر وأعظم، هو تطوير ذاتها وقدراتها، فالتحقت بأحد مراكز تدريس اللغة الإنجليزية للمهاجرين ومعها أبناؤها، إلا أنهم قطعوا دراستهم، وعندما رجعت إلى المركز بعد سنتين، وأبدت رغبتها للإلتحاق بدورة لدراسة اللغة الإنجليزية تحفزوا لمساعدتها كون الرغبة جاءت من امرأة كبيرة السن تسعى لتطوير نفسها، وكان لها ما أرادت وثابرت ما يقارب العشر سنوات، درست الإنجليزية وأجادتها كتابة وقراءة ومخاطبة، ودرست أيضاَ الدستور الأمريكي لمعرفة حقوقها والتاريخ الأمريكي، وحين تقدمت للحصول على الجنسية الأمريكية، جلست لامتحانات اللغة الإنجليزية والدستور الأمريكي وتاريخها الشخصي، وأجابت على أكثر من (100) سؤال كتابة وشفاهة، وتحصلت على جنسيتهم بجدارة أشاد بها القضاة الأمريكان، وتم تكريمها وكان حضوراً حاكم ولاية (نيويورك).