"كبر" و"هلال"
يجب على العقلاء في هذا البلد الانتباه لحالة التشاكس الظاهرة بين الأستاذ “عثمان كبر” والي ولاية شمال دارفور والشيخ “موسى هلال” زعيم المحاميد والرمز الأهلي المعروف والمستشار بديوان الحكم الاتحادي، أو الوزارة التي يشغلها حالياً الوزير “حسبو محمد عبد الرحمن”، وذلك أن العراك السياسي وغير السياسي بدا وكأنه يدخل الآن مرحلة توشك على الانفجار، مما يعجل بحرب أهلية بين رمزين يقال إنهما ينتميان للمؤتمر الوطني ومواليان للحكومة، وأقول يقال لأن ما يحدث لا يشي بهذا التوصيف.
واضح لكل ذي عينين أن ما يجري أمر فوق خلاف وجهات النظر، إذ إن لغة التلاسن والرفض الجهير من كل طرف للآخر تشير صراحة أن كلا الطرفين لن يهدأ إلا إن أزاح خصمه عن المسرح تماماً، وفي سبيل هذا بدا وكأنَّ هناك حرباً تنحو الآن لاتخاذ الإعلام ساحة لها إذ لا يمر يوم دون أن يرسل “هلال” كرة نحو مرمى “كبر” أو العكس، وإن كان الأول يعتمد على الشرح والإيضاح فيما يتخذ الثاني من لسان المؤسسات منصة لإطلاق الصواريخ على نحو القول بأن مؤسسات المؤتمر الوطني لا تعترف بالصلح الذي أبرمه “موسى هلال” بين البني حسين والأبالة حقن الدماء أم لم يحقن.
وبمناسبة صلح الأشقاء المتقاتلين حول جبل عامر فقد حرت وحار معي المراقبون، إذ إن هذا الصلح انعقد كذا مرة وبرعايات مختلفة ونشط في هذا الأمر أكثر من طرف، حتى صار وكأن الأمر (عاريَّة) يلبسها كل من أراد وقت ما يشاء ويرغب !!!
إن ما يجري في شمال دارفور ينذر بحريق كبير ستكون معه أزمة دارفور في صورتها القديمة فيلماً للأطفال ونسخة قديمة، وليس من الحكمة في شيء أن يتفرج المركز هكذا فلا يزجر هذا أو يرد ذاك، لأن هذا الموقف سيعقد الوضع وسيجر أطرافاً أخرى من الخرطوم لتكون طرفاً في معادلة المشكلة، كان هذا برضائها وعلمها أم كان انتحالاً لصمتها، وفي مثل هذه الصراعات لن يعدم المشتبكون وسيلة وتخريجاً يجرون به أقدام كبار في القصر الجمهوري وجهات أخرى إلى وحل المعركة؛ ولهذا فالمطلوب حضور قوي وصارم ومراجعات وقرارات تزيل هذا التوتر الذي يبدو لا منتصر فيه، بل وسيكون الخاسر فيه إنسان دارفور والسودان، ففي الإقليم المنكوب ستضاف رقعة أسمال بالية أخرى على مخازي أبنائه في الحكم والسلطان، وأما على الوطن الكبير فسيتفاقم الإحباط من لعنة هذه المنطقة التي كلما أخرجت من الفتنة أركست فيها.
على “كبر” و”هلال” الترفع عن كل هذا ، فهما رمزان وقائدان، ولا يصح أن ينسب إليهما هذا العراك الذي تبدو بعض جوانبه موغلة في الشخصنة والغبائن الخاصة، كما على كبار دارفور ورموزها الاستفاقة وقول (إحِمْ) والتحرك بفعالية ذات أثر، وتجاوز حالة السلبية الملازمة لمواقفهم، إذ لا يأتون في العادة إلا بعد خراب مالطا، وحتى هذا يفعلونه بحضورهم كضيوف شرف وسواح !