الديوان

انخفاض توزيع الصحف مرتبط بـ(السريحة) .. والكتاب لم يعد خير جليس في هذا الزمان!

(القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ) مقولة عتيقة اعتز وافتخر بها السودانيون في عهود سابقة كما اعتزازهم وافتخارهم بانتمائهم لوطنهم (السودان)، وظلت تلك المقولة محتفظة بتوهجها إلى وقت قريب عندما كانت الثقافة ترفل في ثوب شبابها وتزهو في مجد أيامها قبل أن تشيخ وتصل إلى ما وصلت إليه الآن، فمشاكل الطباعة ومحدودية التوزيع وطرق العرض الجديدة (السريحة، الفريشة، وبائعي الإشارات) وغيرها من ظواهر جاءت خصماً على الثقافة والمثقفين، حيث أنها تسببت في اختفاء وهج المكتبات تدريجياً وتلاشت تبعاتها من خدمات أخرى وبالتالي أدى ذلك إلى تراجع الاطلاع والقراءة كقيمة مضيفة للثقافة التي كانت تميز أهل السودان.
(المجهر) وهي تطرح هذه القضية للنقاش (المشاكل والحلول) التقت بالأستاذ «مختار عوض الله التوم» صاحب مكتبة (شندي) الشهيرة بشارع (علي عبد اللطيف) ودخلت معه في هذه الدردشة..
{ في البداية ما هو الشيء الذي يمكن أن يقال عن القراءة والاطلاع بين الأمس واليوم ومكتبات زمان والآن؟
أولاً لأبد أن أشير إلى أن هناك اختلافاً كبيراً بين درجة الوعي والثقافة والاهتمام بالقراءة لحد مخيف بين الأمس واليوم وأكبر دليل على ذلك انحسار المكتبات وتقليصها بصورة كبيرة، وإذا عدنا للوراء إلى عهود سابقة نجد المكتبة أو المكتبات كانت مزدهرة ومليئة بالصحف والمجلات المتنوعة والكتب الأدبية والعلمية والروايات والقصص القصيرة وقصص الأطفال (الناس وقتها كانت بتقرأ بجد).
{ وإلى أي شيء تعزي تراجع القراءة والاطلاع وتحجيم المكتبات؟
زيادة أسعار الكتب جعلت الكتاب من الكماليات وآخر الخيارات ولم يعد خير جليس في عصر الانترنت، فاليوم الكتاب الذي تبلغ قيمته (40) جنيهاً تستطيع أن تتصفحه بجنيه واحد في أقرب مقهى للانترنت، كما يمكنك تحميله مجاناً في (سي دي) و(فلاش).
{ هذا يعني أن التقنيات الحديثة أثرت سلباً و أبعدت الناس عن الارتباط بالكتاب وصرفتهم عن المكتبات؟
– هذا صحيح، فالعصر أصبح عصر الإفادة السريعة ومواكبة كل ما هو جديد، ولكن تظل متعة قراءة الكتاب وتصفح أوراقه هي المتعة الأجمل والأفيد.
{ وما هي المشاكل التي تواجهكم في بيع الصحف؟
حكاية الصحف دي حكاية (طويلة وعريضة) ابتداءً من زيادة سعرها ثم طريقة توزيعها وأساليب عرضها الحديثة وفرشها على الأرض وإيجارها عن طريق (السريحة)، وهنا أقول إن هؤلاء (السريحة) هم المستفيد الأول من أرباح بيع الصحف، أما أصحاب المكتبات دائماً هم الخاسرون خاصة في ظل ارتفاع إيجار المحل والضرائب ورسوم المحليات والنفايات..الخ، وبسبب (السريحة) يكون الراجع كبيراً وليس الصحف فحسب بل كل ما يباع بالمكتبة الآن أصبح يفرش ويباع على الأرض حتى (المصحف الشريف) وكل هذه الظواهر أدت إلى تهميش المكتبة وتحجيمها،
و(السريحة) اليوم أصبح لهم اسم في شركات التوزيع ويأخذوا نصيب الأسد في حصة التوزيع وأصحاب المكتبات دافعي الضرائب والمهمومين بنجاح توزيع الصحف ينالهم القليل من هذه الحصة.
{ برأيك ما هو الحل؟
شركة (الرأي العام) سبق وأن قامت بعقد لقاء مواجهة جمع الوكلاء وأصحاب المكتبات ودار التوزيع وطالبناهم بعدم مد (السريحة) بالصحف مباشرة، وأن يتم البيع عن طريقنا وهذه طريقة منصفة للجميع واتفقنا معهم على ذلك لكنهم لم ينفذوا الاتفاق أقولها بصراحة هذه هي الحقيقة.
{ هل بسبب ذلك تدنت نسبة شراء الصحف؟
من المؤكد فمن يشتري خمساً أصبح يشتري اثنتين فقط، وبسبب زيادة الأسعار صار الناس يلجأون إلى تأجير أية صحيفة من (السريحة) ثم يتم إرجاعها لهم.
ولذلك أكرر وأقول حتى تعود الصحف إلى أوجها لابد من الرجوع للمكتبات والتوزيع عن طريقها، لأن (السريحة) و(الفريشة) هم المستفيد الأول، لذلك هم لا يهتمون بنسبة التوزيع أو الراجع، فقط يهتمون بالعائد المادي وبنسخة واحدة من أية صحيفة يجني ربحاً وفيراً عن طريق إيجارها فما بالك بكمية كبيرة من النسخ وهو غير مطالب بضرائب أو نفايات أو غيرها من الالتزامات الضريبية.. فأين العدل؟ هذا وبالإضافة إلى زيادة في سعر الصحيفة.
{ هل العائد من المكتبة يكفي للمعيشة؟
أبداً، ولكن نحن تعودنا على العمل بالمكتبة والعيش بين الكتب والأقلام ورائحة الحبر.
{ من خلال ملاحظاتك ماذا تقول عن المادة التحريرية في صحافة اليوم؟
حقيقة حتى المواد كانت تحرر بلغة بليغة وبسيطة ولكن الدارجي غلب في الآونة الأخيرة وبعض المواضيع تحريرها يكاد يوصف بالضعيف.
{ ما هي أكثر الصحف توزيعاً السياسية أم الرياضية؟
الصحف عندنا في السودان يرتفع توزيعها على حسب الأحداث الموجودة بالساحة إذا كانت أحداث الساعة سياسية يرتفع توزيع الصحف السياسية، وإذا طغى حدث رياضي يتجه الناس للصحافة الرياضية وهكذا.
{ هل لـ(المناشيت) دور في جذب القارئ؟
نعم لـ(المانشيت) دور كبير جداً في جذب القارئ وهو الذي يوصل القارئ إلى القناعة لشراء الصحيفة، وهذا يؤكد بأن لـ(المانشيت) دوراً كبيراً في توزيع الصحف.
{ موقف طريف مر بك؟
هنالك من يأتي ويطلب صحيفة بعينها مهووس بقراءتها وحين لا يجدها يقول لي: ( خلاص أديني واحدة تنومني).
{ أخيراً بماذا تنصح؟
لكي نكون أمة متحضرة علينا الرجوع إلى المكتبات والقراءة والاطلاع حتى لا يضيع أطفال اليوم بين (الانترنت) و(الفيس بوك) وبالتالي ستكون ثقافته ضحلة، فعلينا أن ننمي فيهم حب الإطلاع.
ومن هنا لابد من إعادة النظر في ثقافة القراءة والاطلاع وأخذها بعين الاعتبار حتى نسمو ببلدنا ونرفع من درجة تحضره بالثقافة والعلم والنظام، فالمسؤولية تكاملية بين كل الجهات أنفة الذكر ولنقرأ ما يقوله «أبو العلاء المعري»:
خير مكان في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية