(تماسيح) البشر والنيل!!
{ أحياناً يكون الخبر الصحفي محذراً من بعض الظواهر والتصرفات التي يمكن أن تكون وبالاً على المواطنين والمستهدفين من القضية أو السياق المتبع، باعتبار أن الشريحة المقصودة لا بد أن تستوعب المطروح وتتعامل مع المعلومة بذات القدر الذي كتب به الخبر، لذلك فإن الصفحة الأولى في أية صحيفة تعتبر الزاد الرئيس لمجريات الحياة العامة في تفاصيلها السياسية والاجتماعية والرياضية والفنية كافة.
{ أمس الأول خرجت الصحافة جميعها وبلا استثناء بخبر مفاده تحذير الشرطة من تكاثر التماسيح على شواطئ الخرطوم، باعتبار أن الموضوع ربما يندرج في إطار المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المواطن إن تعامل بلا مبالاة تجاه الخبر الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع السوداني. وما بين قلق البعض وتوتر الآخرين، انهالت بعض المجالس على الموضوع (تقريعاً)، ودخل الخبر في إطار الدعابة التي عرف بها الشعب السوداني خاصة في الملمات لكسر الجمود والتخفيف والتعامل بواقعية من أجل العبور إلى بر الأمان، فكانت النكات حاضرة في الأماكن كافة تطالب التماسيح بالخروج لابتلاعهم والقضاء عليهم دون رحمة، وكانت عبارة (الياكلونا يمكن نرتاح) حاضرة قبل المواصلة في التفاصيل التي تضمنها الخبر.
{ الغريب في الموضوع أن هناك أصواتا أدرجت الخبر في إطار سياسي. وواضح أن التماسيح البشرية صارت الأخطر على مواطن الخرطوم من الحيوانات والزواحف جميعها، التي تتعامل في إطار سياسة الدفاع عن النفس، في الوقت الذي تلتهم فيه التماسيح البشرية العامة دون رحمة، والدليل الارتفاع في أسعار السلع والاختلال في السوق منذ زمن بعيد، في ظل اللامبالاة التي تتعامل بها الدولة ووزارة التجارة التي تحججت بسياسة التحرير التي فتحت الباب واسعاً للعبث الذي نراه الآن.
{ التماسيح البشرية تحتاج بياناً من وزارة العدل ذاتها حتى تتمكن من إيقاف هذه التحركات التي باتت تشمل كل الأمكنة والأزمنة، مستفيدة من الأرضية المهيأة لهذا العبث الذي راح ضحيته المواطن السوداني الذي بات يتمنى الموت من حياة بلا قيم ولا مثل ولا أخلاق، ودونكم ما يحدث من تضاربات في العملات الأجنبية والمحاصيل الزراعية والسلع المختلفة، بل وما يكتنف بعض العطاءات الحكومية في الطرق والمباني وغيرها.
{ الظلم انتشر بصورة كبيرة وباتت المكاسب الربحية الآنية هي الهدف الأساسي لكل المتحركات الموجودة على الواقع الحياتي، بل أضحى الخبث والغل والمؤامرات هي واحدة من المرتكزات التي تعتمد عليها شريحة كبيرة من الموجودين في السوق وفي بعض مفاصل الدولة.
{ تماسيح البشر الأخطر على الأمة السودانية من التماسيح النيلية التي حذرت منها الشرطة وطالبت الجماهير من أخذ الحيطة والحذر منها، لأن المواطن بات يتعامل مع هذه الكائنات بحميمة غير عادية في ظل ظواهر بشرية بات “إبليس” يستعيذ منها ومن أفعالها وأقوالها وحراكها وتصرفاتها التي أضحت حكاية ما قبل النوم.
{ لا بد أن تحذر الشرطة المجتمعية والبرلمان والمؤسسات التشريعية وغيرها من مؤسسات الدولة من هذه النوعية في بياناتها القادمة، لأن الذي يحدث في الأسواق يوضح حالة التردي التي وصلنا إليها في ظل صمت مريب من قبل المسؤولين المنوط بهم حماية “محمد أحمد” وحماية مكتسبات الوطن وقيمه الحقيقية.
{ قبل أن تحذرونا من تماسيح النيل، لابد أن تحمونا من تلك التماسيح البشرية التي باتت تتحرك بيننا وتشكل خطورة على حياتنا وحياة أولادنا وآبائنا وأمهاتنا الذين فقدوا الإحساس بالحياة وبالواقع المفروض، لان المستقبل القريب سيكون مظلماً وحالك السواد.