حوارات

(المجهر) في حوار غير مسبوق مع وزير الدولة برئاسة الجمهورية الدكتور "أمين حسن عمر" حول علاقته بالحزب الشيوعي (3)

لا أحد ينكر أن الدكتور “أمين حسن عمر” وزير الدولة برئاسة الجمهورية من المفكرين، وقد استطاع أن يبني شخصيته بنفسه من خلال الاطلاع الواسع في شتى دروب المعرفة، وربما ساعده في ذلك ولوجه الأحزاب الاشتراكية في بداية حياته قبل أن يتحول إلى المعسكر اليميني ضمن قيادات الاتجاه الإسلامي وهو في السنة الثالثة بجامعة الخرطوم.
حاولنا من خلال هذا الحوار أن نقلب معه أوراق العمر في كل السنوات الماضية، والأسباب والدوافع التي أدت إلى انتمائه للحزب الشيوعي السوداني في ستينيات القرن الماضي، وما هي وجهة نظره في الحزب الشيوعي بين الماضي والحاضر، وما هي آراؤه في قيادات الحزب “الشفيع أحمد الشيخ” و”عبد الخالق محجوب”، وما هي الأسباب التي دفعته إلى التحول للاتجاه الإسلامي، وكيف نظر إليه الشيوعيون والإخوان بعد ذلك التحول، وما هي المواقع التي تقلدها آنذاك، ومتى تم اعتقاله، وماذا استفاد من المعتقل، ومن وقف ضده عندما أراد الانضمام للاتجاه الإسلامي ومن ناصره، كيف كان ينظر للإخوان قبل الانضمام إليهم، وما هو الفرق بين اللبس في الاتجاه الإسلامي وعند الشيوعيين، ولماذا ضعف الاستقطاب للحركة الإسلامية وسط الطلاب، وهل هناك انتهازيون بعد الثورة، ولماذا يوصف بـ(المساخة)، وماذا يفعل إذا خرج من الوزارة، وما هي وجهة نظره للإعلام الآن، وما هي حقيقة التعديل الوزاري، وما هو وضع الشباب في هذا التعديل؟؟ بالإضافة إلى العديد من الأسئلة تجدون إجاباتها في المساحة التالية:

} ما هو شعور الإخوان وهم يشاهدونك لابس بنطلون شارلستون وشعر كثيف وقمصان ملونة؟
– طبعاً كان هناك استنكار، لأن شكلي بالنسبة لهم غير مقبول، بل البعض كان يندهش، ولكن بعد أن أصبحت ملتزماً في صفوف الإخوان، كلفت من قبل مسئول الثانويات آنذاك الأخ “سيد الزبير” بالذهاب إلى عطبرة للقيام بنشاط سياسي وتجنيدي، فالتقيت بالأخ “الزبير أحمد الحسن” ومجموعة من الطلبة، وسبق أن أخطروا بأن مبعوثاً من الجامعة سيأتي إليهم.
} كيف كان شعورهم عندما قابلوك؟
– عندما جئت لم يعرفونني ولم يصدقوا، فجلست معهم في مسجد صغير وتحدثت إليهم بالطريقة التي يتحدث بها الإخوان المسلمون، ومن الأشياء التي أعانتني على ذلك أنني كنت مهتماً بقراءة أدبيات الإخوان المسلمين، فكنت أقرأ “لسيد قطب” و”حسن البنا” و”محمد قطب” و”الشيخ الغزالي”، فعندما كنت في صفوف الحزب الشيوعي كنا نناظرهم من خلال كتبهم، كما ساعدني في ذلك مكتبة الوالد التي كانت تشتمل على العديد من الكتب الفكرية والصوفية والسمانية، فكنت محباً للقراءة خاصة في مجال الأدب والشعر، فكان عندي رصيد من الثقافة لذلك لم أجد صعوبة في الاندماج سريعاً مع الإخوان من الناحية الفكرية والتعبير، لذلك دخلت المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية ولم أمضِ تسعة أشهر من انضمامي في صفوف الحركة الإسلامية.
} وكيف تم قبولك بالشكل الذي كنت عليه؟
– لقد تحمل وزر ذلك شخصية جريئة وهو الأخ “محمد خير فقيري”، وكان أمير الجماعة وقتها، وهو الذي أصر على دخولي المكتب التنفيذي، فقد نافح بقوة داخل مجلس الشورى حتى أجيز اسمي، فقد استنكر بعض الناس كيف أقبل بهذا الشكل وهذا السلوك.
} هل كنت جريئاً وقتها؟
– جرأة لا يقدم عليها كثير من الإخوان.
} كيف؟
– كنت أقف وأتحدث مع أخت من الأخوات داخل الجامعة، وهذا سلوك لا يتجرأ عليه أحد من الإخوان، حتى ولو كانت الأخت قريبة أو أخت ذلك الشخص، فكثير من سلوكي كانت فيه جرأة غير مقبولة، ولكن أن يتجرأ أمير بالجامعة ويرشح اسمي لدخول المكتب التنفيذي، كانت فيه مجازفة ولكن استوعبت بسرعة الطريقة التي يتحدث بها الإخوان.
} في عهد من دخلت المكتب التنفيذي؟
– كان في عهد “محمد حسن الباهي”، وأثناء ذلك اعتقلنا وأمضينا سنتين بالسجن.
} هل هذه أول مرة تعتقل فيها؟
– لا أريد أن أتحدث عن المرة الأولى.
} إذن الثانية متى كانت؟
– اعتقلنا بعد انقلاب “حسن حسين”، وظللنا بالسجن حتى إعلان المصالحة الوطنية في 17 /7/ 1977.
} هل تذكر من كانوا معك في السجن؟
– كان معي عدد كبير وأترحم على آخر من توفى منهم “عبد الحميد الترابي” ومهما اختلفنا سياسياً فلم تنقطع الوشائج، فثقافة القطيعة سيئة، فالوشائج بيننا لم تنقطع أبدا، لأنها علاقة سجن، وقيل إذا أردت أن تعرف شخصاً فسافر معه فكيف إذا جلست معه في السجن لسنتين، فعلاقة السجن وثيقة وفيها كثير من الروح الإنسانية حتى مع الفقراء. وكانت هناك رابطة تضامن السجناء حتى مع المجرمين وليس السياسيين، فإذا أسئ معاملة مجرم أو ضرب، وكان يحدث غضب واحتجاج كبير وسط السياسيين، وكانت بيننا وبين المحكومين بالإعدام صداقات، فتجربة السجن فيها كثير من الجوانب الإنسانية، وصورة الشخص الذي يقتل تظل صورة قاتمة وكئيبة، ولكن المعايشة اللصيقة تضئ لك جوانب من النفس الإنسانية، ففيها نوع من الإشراق رغم كل تلك الظلمة.
} ما الذي استفدته من السجن؟
– التفكير العميق وتطوير العقلية النقدية، فدخلنا السجن ونحن تكريريون، بمعنى أننا نكرر ما نحفظ من عبارات، وعندما خرجنا كنا أكثر قدرة على نقد فكرنا وأشخاصنا ونقد لممارستنا، رغم أن في الثقافة الدينية يعتقدون أن النقد إذا تناول الأشخاص والهيئات سيخالف الدين فهذا غير صحيح، فالنقد إذا تناول الأشخاص والهيئات بصورة موضوعية ولم يراد به إلا الإصلاح فهو من جوهر الدين وليس شيئاً مخالف الدين، وهذا من الأمور التي ينبغي أن تعمل الحركات الإسلامية على تربية أفرادها على الفكر النقدي وعدم تقديس الذات، لا الذات الفردية ولا الجماعية.
} كيف تنظر إلى الحركة الإسلامية بين الماضي والحاضر؟
– الحركة الإسلامية تطورت كثيراً من حيث الأفكار والممارسات، ولكنها أيضاً تراجعت في بعض الأفكار وبعض الممارسات ولكنها أيضاً في حالة تقدم أكثر منها حالة تأخر. والسودان بمكوناته الفكرية والسياسية لم يتخلف وهو ليس في حالة أدنى عما كان عليه، ولكن ربما كان تقدمه نحو الأمام أقل من الفرص التي أتيحت له، وأقل مما كان ينبغي أن تستفيد منه الموارد البشرية المادية لتعزيز مكاسبها في التقدم والترقي الاجتماعي، وهذا ما يلام عليه أهل السودان جميعاً وتلام الحركات السياسية، ولكننا لا نستطيع أن نقول إن الحركات السياسية الآن أكثر تخلفاً عما كانت عليه، فهذه حالة حنين للماضي حتى ثقافتنا تأثرت، نعيد سيرتها الأولى، وكأنما سيرتها الأولى هي المثال، فالسيرة منصة للقفز نحو المستقبل وكل ماضٍ ينبغي أن يكون منصة قفز نحو المستقبل.
} يلاحظ أن الاستقطاب للحركة الإسلامية الآن أقل عما كان عليه في الماضي ما هو السبب؟
– لقد ضعفت الرغبة في كسب الولاء للحركة الإسلامية لأسباب عديدة، فالآن الناس يحبون القوى ويحبون أن يوالوا القوي.. لكن الموالاة بسبب القناعة الفكرية فنحن كنا نفرق ما بين التجنيد والاستيعاب، فهناك مرحلتان مرحلة التجنيد وهو أن تأخذ مواقف الشخص أن يدخل معنا، ومرحلة الاستيعاب أن تحول أفكاره وسلوكه وطريقة تعبيره وقيمه إلى نفس القيم التي تؤمن بها، أما الآن فينتهي عند كسب العضوية للشخص، ولا أقول في كل الأحوال ولكن في غالب الحال الإنسان يسعى لاستيعاب البيئة الجديدة وليست البيئة هي التي تسعى نحو الاستيعاب، ففي الماضي كانت البيئة الإخوانية هي التي تستقبل الفرد الجديد وتستوعبه، الآن له الخيار إن أراد أن يستوعب هذه البيئة الجديدة أو أراد أن يقف على مرحلة الإعلان للولاء فقط.
} ولكن في الماضي لم تكن هنالك مصالح مثل الآن فمن يحاول ولوج الحركة الإسلامية الآن يكون وراء هدف؟
– أنا هنا لا أحدث عن نوايا الناس، أنا أتحدث عن الظاهرة التي ترى وتحس وتقاس، فمن كانت هجرته لامرأة ينكحها أو دنيا يصيبها فهجرته لما هاجر إليه، فهذا موجود ولكن لا يمكن أن نعين شخصاً معيناً بهذا ونقول بأن هذا الشخص جاء بغرض المصلحة، فالشبهة ستظل أكبر عندما تقبل الدنيا عليك وعندما يأتيك الناس من أجل طلب هذه الدنيا، ولكنها لا تتجاوز حد الشبهة فستظل شبهة لا أكثر ولا أقل.
} هل تعتقد أن الإخوان ما قبل الثورة يختلفون عمَّا بعدها؟
– هذا ليس صحيحاً، هناك تفاوت والدليل على ذلك أن عدداً كبيراً من الشهداء جندوا في الثورة، فقاتلوا وقتلوا وعدد كبير منهم جند بعد الثورة والتعميم في ذلك يكون تعميماً خاطئاً.
} ولكن البعض آثر السلطة والمال؟
– لا استطيع أن أتحدث عن أحد بعينه كما قلت لك، فآثر أو لم يؤثر فهذا حكم متعلق بالنوايا ما لم يرتبط بظواهر معينة في سلوك الشخص وفي طبيعة حياته، فلن نستطيع أن نحكم عليه ولكن الناس يقبلون على صاحب الدنيا وإنهم إنما جاءوا للدنيا وربما يكون هذا موجوداً، وربما يكون غالباً أحياناً، ولكن لا نستطيع أن نعين شخصا ًبعينه ولن نستطيع أن نجزم أنه جاء لدنيا يطلبها ولم يأتِ للفكرة وللمبدأ.
} البعض يصفك بأنك مسيخ؟
– أنا أتحدث بما أعتقد أنه صحيح، وربما يكون أكثر دقة أنني غير مجامل تلك المجاملة التي اعتاد عليها السودانيون في التعبير، واعتقد أن أصدقائي يعرفون أنني لست مسيخاً.
} هل أنت محسود؟
– إذا كنت فعلاً محسوداً استغرب على ماذا أحسد، ولا أعتقد أنني محسود على شيء، فإذا كان هناك شخص يحسدني على شيء، فأنا لا أحسده على هذه المشاعر.
} كيف تقرأ وفي أي المجالات؟
– أقرأ في الأدب وفي الشعر وأقرأ بدون تحفظ في الروايات الفكرية في مذكرات السياسيين، وهذه مكتبة صغيرة أنقلها للمكتب وتجد كل أنواع الكتب فيها موجودة فأحياناً أكمل الكتاب وأحياناً لا أكمله.
} هل لديك ساعات محددة للقراءة؟
– أنا لا أقيد نفسي بساعة محددة فأحياناً أقرأ ساعات طوال وأحياناً أقرأ دقائق قليلة، فهذا (الآيباد) يمكن أن تقرأ فيه أكثر من مادة فتجد عدداً من الصفحات مقفولة لأنني أقرأ في أشياء مختلفة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية