أخبار

أزمة جيل

{ أحياناً تصيبك الدهشة، وتفقد إحساسك بمن حولك، وتشعر أنَّ هناك خدراً من نوع آخر قد أصاب أجزاء جسدك، وسيطر على حواسك بشكل كبير، للدرجة التي يمكن أن تفقد فيها التوازن المطلوب، الذي يمكنك من التعبير عن وضعك الآني. وقد يكون وصفي غير دقيق للحالة التي انتابتني ليلة أمس، خوفاً وقلقاً على أن يتهمني أحدهم بالمبالغة في التعبير والتشخيص للوضع الذي كنت فيه وأنا أرى مجموعة من الفتيات والشباب، داخل إحدى العربات الفارهة، أمام سوبر ماركت كبير ببحري.
{ مجموعة لم تتجاوز العشرين من العمر، بل أقل بكثير، من الأولاد والبنات، يرتدي بعضهم زياً مدرسياً كاملاً، ورغم ذلك لم يتوقف من شراب السجائر بشراهة مع التبادل السريع للأنفاس ذكوراً وإناثاً. وفي الجانب الآخر من السيارة إثنان آخران، انشغل أحدهما بسجارة ذات لفافة كبيرة – معروفة بالسجارة (الخضراء) – فيما انصرفت الفتاة في محاولة لاقتسام حبة من النوع المخدر المعروف، حتى تتمكن من منح زميلتها الجزء الآخر، وسارعت في شراء عدد من قارورات المياه وغادرت مسرعة تخفي عينيها خلف نظارة سوداء.
{ الغريب في الموضوع أن جهاز المسجل قد خلق نوعاً من الضوضاء في المكان كله، إذ أن ارتفاع الصوت قد لفت انتباه المارة بشكل كبير، وجعل الكل يراقب في تلك المشاهد التي تؤكد أن هذه المجموعة فاقدة للوعي تماماً، بل مازالت تتعاطى من أجل المزيد من راحة (الدماغ)، كما يقول أهلنا المصريون. والأغرب في الحكاية كلها، أن الثقة كانت ظاهرة في ملامحهم، ولم أرَ أي تردد أو خوف من إلقاء القبض عليهم من قبل شرطة أمن المجتمع، وكأنما هناك سند قادر على إطلاق سراحهم متى ما تم ذلك.
{ الجرأة والحركة والتصرفات التي تمت في تلك الليلة، منحتني إحساساً بأن السودان يمر بمنعطف خطير جداً، إذ أن التجاوزات الأخلاقية أضحت تمارس من البعض في منتصف الشوارع، وفي الأماكن العامة، بل في كل الطرقات والمحلات التجارية دون حياء أو خجل، فهل الرقيب مهموم برفع طرحة “أميرة عثمان” والتفكير في كيفية إثبات تهم رادعة، لتكون عظة لقريناتها من بنات حواء؟!
{ الأخطر في القضية كلها، أن الكثيرين من جيل التسعينيات باتوا أكثر خطورة على المجتمع ككل، لأن تحركات هؤلاء الأولاد والبنات والتصرفات المرصودة لهم، تؤكد أن الحياء عملة نادرة في قاموسهم، وأن مجاراة الغرب والإدمان، واحدة من أهم السمات التي تعكس الواقع الذي يعيشون فيه، ودونكم ما يحدث من قبل بعض طالبات الأساس، والرصد التقديري لحالات الحمل والسفاح من قبلهن، وقليل من التفكير في المجموعة التي تضمها بعض الثانويات والتصرفات التي تتم في الشارع وأماكن (الكافيهات) وغيرها.
{ كثير من شباب جيل التسعينيات يوصمون بالتهور والاندفاع، ويتشبثون بثقافة الغرب التي فرضت نفسها على الدول العربية بشكل كبير، لذلك فإن تحركاتهم أضحت واحدة من أكبر المعوقات التي تحتاج إلى دراسة ومعالجات، تعيننا على الحل قبل أن يقع الفأس في الرأس.
{ هذا النوع من الشباب يمثلون حجر عثرة أمام أي إصلاحات تعين المجتمع علي سد الثغرات والسلبيات، التي ظهرت واجتاحت البلاد مؤخراً، لأن ما يتم من قبل هذه الشريحة، يجعلنا ندور في حلقات مفرغة.
{ السودان يعاني من أزمة حقيقية من قبل هذه الشريحة، لذلك فلنفكر في الكيفية التي تمكننا من إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ومن ثم نسعى سوياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحتى ذلك الحين فإن الدعوة موجهة لجهات الاختصاص المسؤولة عن ضبط المجتمع، للقيام بحملات أكبر ورصد تحركات هذه النوعية، وتطبيق القانون عليها مهما كانت قيمة ومكانة من يتولى أمرها، أو ينتسب إليها، لأن الشارع يوضح أن حالنا أضحى يغني عن سؤالنا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية