أخبار

(يا فليلكو)!!

لم اعبأ كثيراً بمتابعة المؤتمر الصحفي أو اللقاء الذي عقده الأخ وزير المالية والاقتصاد الوطني “علي محمود” بصحبة محافظ البنك المركزي، لا حين انعقاده، ولا بعده حين يضع رواة الأخبار العائدين من الملتقى حصادهم بين ثرثرات الصحافيين عند الظهيرة، أو في تناول التغطيات الإذاعية بعد العشاء، ومرد ذلك أن لي موقفاً مفاده أن هذين الشخصين– والمقامات محفوظة- يمتلكان قدرات باهرة على إحباط الناس بقدر صار أي حديث ينسب إلى أحدهما ناهيك أن يكونا معاً، يعدّ بداية لحالة من الاهتزاز النفسي للشعب والحكومة معاً في بلد يقوم الاقتصاد فيه خلافاً للأرقام والنسب على قياسات المشافهة، التي تجعل تصريحاً بعينه سبباً في تراجع سعر الصرف، وتصريحاً آخر يتسبب في رفعه!
هذا يحدث على مستوى الكتلة الأوروبية واقتصادها الذي لا يقارن بحالنا.. ففي مايو الماضي واصل اليورو تراجعه مقابل الدولار بعد تصريح لرئيس البنك المركزي الأوروبي “ماريو دراجي” قال فيه إن البنك يراقب البيانات الاقتصادية ومستعد لتطبيق أسعار فائدة سالبة للودائع، مما يدلل على أن إعلان التزام موقف اقتصادي أو التلويح بإجراء وطرح خيارات سيعني بالضرورة أن ثمة تحركات واقعية ستحكم حركة الاقتصاد انكماشاً وتمدداً. ولئن كانت أوروبا قادرة على تحمل تقلبات الطقس الاقتصادي تلك، فإن السودان أضعف بتصريحات عرابيه الاقتصاديين من تحمل تبعات ذلك، مع فارق الأمثلة والجغرافيا.
صحيح أن ثمة إشكالات واختلالات ظاهرة، وظروف موضوعية فرضت وضعاً اقتصادياً معقداً ومحتقناً بالمشاكل استوجب استحداث برنامج للإنقاذ الاقتصادي ومعالجات لتدارك الأمر، لكن الأصح من هذا أن أزمة ضبط التصريحات وكيفية عرض الآراء في المشكل الاقتصادي لا تزال ضمن تلك الأسباب التي تزيد الطين بلة، فقبل انفصال الجنوب كان تعامل المسؤولين بالحكومة في القول والإيضاح يركز على التخويف وإثارة الهلع، وتواصل الأمر بأمثلة كثيرة وعديدة ركز فيها الاقتصاديون، وعلى رأسهم وزير المالية “علي محمود”، الذي وصل به الأمر إعلان أن الحكومة (مفلسة) وهو قول، صحت دفوعاته أم لم تصح، لم يكن قط مسؤولاً لجهة تداعياته السالبة والقاتلة.
في ظروف السودان الماثلة، وجب على المسؤولين عن شأن الاقتصاد والمال الرسميين قياس ومعايرة أية مفردة ودلالة، ومثلما أن هؤلاء يحرصون على إجلاء الموقف من جوانبه القاتمة، فمن أوجب واجباتهم احتساب النقاط المضيئة حتى لا يكون كل أمرنا كما يقول أهلنا في كردفان (يا فليلكو)، حينما وقف الخطيب بصلاة الجمعة يذكر الناس فقط بجهنم ونارها و(يا ويلكم) و(يا فليلكو)، والثانية مفردة محلية موازية للمعنى الأول، فما أن انقضت الخطبة في صدرها الأول حتى فرّ المصلون ممن يبشرهم بالنار في وجود خيارات ومتاحات الجنة، ومن الأفضل للحكومة أن (تفرر) وزيراً، وأن تحتفظ بشبعها إن كانت ترغب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية