صبايا المبادرات الإنسانية تجاهلن مساحيق التجميل .. وخضن في (الـخبوب) والطين..!!
كما هو معروف لدى الجميع الاهتمام الزائد عند فتيات اليوم بـ(الميك أب) أو الماكياج بغرض التجميل، ويبدين زينتهن ليبقين أكثر نضاراً وجاذبية في كل الأوقات، إلى أن احتدم التنافس في تسويق أدوات التجميل مع ازدياد وارتفاع درجة هوس الفتيات والسيدات بجمالهن، ولكن وعلى غير العادة إبان فترة السيول والأمطار التي ضربت البلاد مؤخراً خاصة ولاية الخرطوم التي بها شريحة كبيرة من فتيات الحضارة والتمدن والرقي، لوحظ أن كثيراً منهن خاصة الصبايا، اللائي شاركن في المبادرات الإنسانية وحملات نفير دعم المتأثرين كن أكثر همّة في تقديم يد العون لجميع المتضررين خاصة أولئك الذين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم وأرواح بعض من ذويهم، لوحظ أن اهتماماتهن تجاوزت حرصهن على وضع مساحيق التجميل، التي باتت معروفة ومهمة في عالمهن الخاص وبصورة يومية، مثل (الكحل للعيون، والبودرة على الوجه، واللبشاين أو المرطبات اللامعة في الشفاه) لتكتمل أناقتهن.
وشوهدت أعداد كبيرة منهن في المناطق المتأثرة يخضن في مياه الأمطار العكرة و(يشقن) مد السيول، ويجلسن مع الأسر المنكوبة في حنو وعطف شديدين، ويبادرن بهمّة عالية لتقديم المعونات دون كلل وملل أو انتباه للمكياج الذي اعتدن عليه في إكمال وإظهار أنوثتهن.
(المجهر) استشعرت عن قرب هذه الحالات والانفعالات لعدد مقدر من فتيات بلادي النبيلات، كما نظرت إلى نتائج تفحص عين الشعب لهن خلال هذه الفترة التي وثقتها عدسات كاميرات الفضائيات والمصورين الصحفيين بشفافية..
أذكر أنني وعبر تجربة شخصية صحوت ثالث أيام عيد الفطر المبارك مثقلة بهموم ما خلفته الأمطار من آثار وكوارث على المواطنين التي وقانا الله شرها وبتنا سالمين بعد ليلة حالكة اشتد فيها المطر وهطل لساعات طوال امتلأت بها الشوارع، وننظر لميادين غمرتها المياه وفاضت حتى أبواب منازلنا، وحوائط مشبعة بمياه المطر تكاد أن تسقط وتنهار لشدة ما ارتوت، وبقايا مياه عكرة صفراء اقتحمت إحدى غرفنا ليلاً محدثة نوعاً من القلق، لي وأخواتي وأخي، ووالدانا ذهبا لمعايدة الأهل فاضطرا للمبيت خارج البيت بسبب هطول أمطار (الجمعة) ثاني أيام العيد الكارثية، فانهمكنا في نظافة المنزل وإزالة كل آثار المطر، وبعدها عدت لألقي جسدي المتعب من سهر الجمعة وهموم الناس في سرير واستعد لمشاهدة التلفزيون بعدما أيقنت أن أخبار السودان عن آثار الأمطار والسيول الليلية أهم عندي اليوم من مشاهدة أفلام أجنبية على شاشات قنوات الـ(ام بي سي) التي أفضلها أو أخبار طازجة وقيمة على (الفرنسية24) والـ(بي بي سي).
بعدها سريعاً تذكرت أنه العيد وعادة ما اهتم كغيري من الفتيات بالعيد وأيامه الجميلة فتزيد معدلات الجمال، أي الاهتمام بوضع الماكياج وارتداء الجديد من الملابس الجميلة التي لا تلبس إلا في المناسبات، وفي أيام العيد نهتم بالأناقة والجمال في المنزل أكثر من أي وقت آخر.. حزنت للغاية لأن قريناتي في الخرطوم ونهر النيل وغيرها من الأماكن التي اجتاحتها السيول والأمطار نسين العيد من ساعاته الأولى، لا ماكياج، لا جديد ولا طعم حقيقي للعيد، فقط تداول أخبار المتأثرين وتفقد الجيران المتضررين.
أشهد الله أنني ارتديت طيلة أيام العيد ملابس عادية، ولم اهتم بزينتي وماكياجي، ولا حتى إطالة النظر في المرآة كما تفعل البنات، وهكذا حال الكثيرات.. شقيقتي “نجلاء” قالت لي: كيف تفكرين في اللبس والماكياج في ظروف مثل هذه؟ فأجبتها: ربما فكرت لكنني لن أفعل لأنه ليس لي (نفس).. أنا مؤمنة وراضية.. إنه قضاء الله وقدره ولكن تضامنا مع الناس.
قصة أخرى حدثت في اليوم الرابع للأمطار أي (خامس أيام) العيد وفيه كانت معظم شاشات فضائياتنا السودانية تبث موضوعات عن آثار الأمطار والسيول وما خلفته من ضرر بالغ، مستضيفة مسؤولين وخبراء ومتطوعين ومهتمين، لوحظ أيضاً وحسب آراء المشاهدين ذلك اليوم وبعده أن الضيوف من فتيات المبادرات الإنسانية والمتطوعات كن أكثر بساطة في لبسهن وأناقتهن ولم تقم الكثيرات بوضع ماكياج، مما أراح عيني المشاهد التي ملت من الإسراف والمبالغة في (الميك أب) الذي كان علي وجوه المستضيفات والفنانات ومقدمات البرامج خلال شهر رمضان المعظم، وكأنه شهر للتنافس على الأزياء ذات الألوان والتصاميم الصاخبة، والوجوه المسكوب عليها نشاز المساحيق.
وترى “نفيسة الصادق” (موظفة بهيئة حكومية) أنه وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها بعض المواطنين يجب أن نحس بالآخر ونواسي الناس، نحزن لحزنهم ونفرح لفرحهم، فالماكياج لا يناسب أماكن العمل ناهيك عن عمل وسط منكوبين ومتضررين.. علينا أن نكون مثلهم.
أما “مني سيد” (خريجة جامعية) فأوضحت أن معظم الفتيات اللاتي يعملن في الحقل الاجتماعي والإنساني هن أكثر بساطة خاصة في ماكياجهن وزيهن وطريقة تعاملهن مع الآخرين، لأنه مجال يجب أن يكون فيه المرء غاية في البساطة واللطف، لافتة إلى أن الماكياج والزينة مكانهما الطبيعي البيت ومناسبات الأفراح.
ويؤكد المواطن “محمد محجوب” أن التركيز في العمل ضرورة وواجب، ويرى أن ترك هؤلاء الفتيات لأدوات ماكياجهن في البيت ومجيئهن للعمل الإنساني غاية نبيلة، ووجه لوماً كبيراً للائي يكثرن من استخدام الماكياج في أماكن العمل وبصورة لافتة ومزعجة تشبه التبرج، مشيداً بدور الفتيات في تركهن للماكياج ودخولهن المياه ومعايشتهن لأجواء المتأثرين.
ووافقته الرأي الأستاذة “ليلى الحاج” مبينة أن إحدى المذيعات أتت في أحد البرامج عن المنكوبين قبيل أسابيع، وتبدو في صورة مبالغ فيها من كثرة المساحيق التي تضعها على وجهها وارتدائها لثوب صارخ الألوان دون الإحساس بمشاعر الآخرين.