"النصري" سيد الوتر
{ تتبعثر الحروف حينما يكون الفن حاضراً، والفنان مختلفاً شكلاً ومضموناً.. حينها فإن التقاط الأنفاس والمفردات يتوازيان في رحلة البحث عن العبارة المكتملة الموضحة للموضوع في كلياته المعروفة وجزئياته المجهولة؛ لذلك فإن الإبحار عبر هذه الزاوية يحمل في طياته عبق الشمال وجمال الطبيعة وسحر الكلمة وألق المفردة ونقاء الدواخل وعتق المطروح، ليجسد تجربة إنسان أطل إلى هذه الفانية في منتصف السبعينيات الماضية ببسمة مختلفة وبراءة لم تخفها السنوات وهدوء يتجسد ليضحى عنواناً ثابتاً يميز الدواخل ويشير إلى النشأة والتربية التي كونت مبدعاً كامل الدسم سمي “محمد النصري”.
{ رغم أن التجربة الفنية للفنان “محمد النصري “لم تتجاوز السنوات المعدودات، إلا أن الرجل قد استطاع أن يخلق أرضية متميزة لم يتمكن كبار الفنانين في الساحة من الجلوس عليها من خلال شعبية تجاوزت الممكن والمعقول، وأكدت من خلال حضورها في المسارح المختلفة أن “النصري” قد تجاوز سرعة الصوت والضوء، وتمكن من التربع على قلوب كل الشباب والشابات والكبار والصغار ممتلكاً القلوب جميعها برشاقة الكلمة ورهافة الحس ورزانة العبارات ورخامة الصوت والإحساس العالي.
{ أطلقت الجماهير على” النصري” صاحب التسعة وثلاثين عاماً لقب سيد الغناء والوتر، ورفعت أصواتها معلنة ميلاد فنان مختلف مسيطر على كل الساحات والباحات، من خلال لون قديم مستحدث سمي ضمنياً باسم (الطنبور)، ليغادر حصرية المكان والزمان إلى آفاق أوسع تستوعب النغم الجديد وتتمتع بفريد الشكل والمحتوى والنغم.
{ استمعت قبل فترة بسيطة لهذا الفنان من خلال عزيز عاشق لهذه اللونية، فوقفت عند الكلمات وتذوقت المعاني وأبحرت في عوالم من الدهشة والإبداع والفن الرفيع، حينها أدركت أن هناك فناناً سيكون له باع طويل في مسيرة الغناء السوداني، وقد كان.
{ تجاوزت شعبية “النصري “كل التوقعات، وأكدت الجماهير التي اكتظت بها مسارح الخرطوم ومحلياتها أن الطنبور سيظل واحداً من أهم الركائز التي يمكن أن تخلق تواجداً مختلفاً للأغنية السودانية في المستقبل القريب .وعليه فإن التجربة في حد ذاتها تحتاج إلى أن تكون واحداً من أهم البحوث والدراسات الفنية في الجامعات المختصة، لان الموجود الآن على الواقع يبين أن الرجل (فات الكبار والقدرو).
{ غنى” النصري” بحنية تتسرب في الدواخل دون حواجز، وصدح بصوت ممتلئ بالدف والإحساس الصادق، فوصلت أغنياته للكل، الذي ظل حاضراً ومردداً للجديد والقديم بصوت واحد مخلوطاً بدموع الرجال النبيلة وأحاسيس النساء الصادقة الفريدة، مؤكدة وجود فنان معتق ومتدفق نبلا وسمواً وطرباً.
{ تجربة “النصري” واحدة من أهم التجارب التي ينبغي أن تسلط عليها الأضواء في الإعلام من خلال وسائطه المختلفة، لنخرج بخلاصات تفيد القادمين وتدعم المطروح وتعضد التواجد، وتؤكد أن حواء السودان ظلت طوال السنوات الفائتة تضع ثمارها دون من أو أذى.
{ هنيئاً لمحبي” النصري” بهذا الفنان الرائع روعة النيل وتوتيل، والشامخ شموخ العز وجبل البركل ونخيل الشمال، ومبروك علينا في السودان وفي الإعلام تواجد هذا الصوت ضمن الخارطة الغنائية ليعيد لنا توازن الحياة، ونعبر من خلاله الساحات والباحات ونركن للمستقبل، ونحنُّ للحبيب ونكابر في العشق و(نأمل في باكر (ويا طالع القمرة جيب لي معاك باكر.
{ شكراً “محمد النصري “وشكراً لكل عظماء الطنبور ولشعرائه ولعشاق سيد الوتر، فلوحة التواجد قد جعلتنا نحس بأن الفن والسودان والأذن السودانية ما زالت بخير جميل وفضل كبير وصدق وفير، وبالتأكيد سنواصل المد ما حيينا.