أخبار

العشوائي لا يموت!!

} لن يفلح المهندس “الرشيد فقيري”، وزير التخطيط العمراني بولاية الخرطوم، في القضاء على السكن العشوائي بولايته، لا بقوة السلطان ولا بالتهجير وعصا البوليس، ولا بالتخطيط وتمليك كل مواطن يقطن عشوائياً منزلاً في الخرطوم، لأن أسباب ودواعي السكن العشوائي مرتبطة بالسياسة والصراع على السلطة، وتتجلى أبرز مظاهره في الحرب التي تدور في الأطراف منذ سنوات، والحرب تفرز نزوحاً وهجرة داخلية ولجوءاً خارجياً.. وكل خطط تحديث الخرطوم وتطويرها ورفاهية مواطنيها تظل مجرد شعارات لا مكان لتطبيقها على أرض الواقع.. وكل يوم تستقبل الخرطوم مئات النازحين الفارين من جحيم الحرب وسوءاتها ونقص الخدمات الصحية والتعليمية، وبالأمس تحدث والي جنوب كردفان الجديد المهندس “آدم الفكي” عن الأوضاع الصحية بولايته، وقال إن عدد سكانها مليون ونصف المليون، والأطباء الاختصاصيون اثنان فقط، أحدهما في عاصمة الولاية كادوقلي والآخر في (أبو جبيهة)، فكيف لا يهاجر سكانها إلى الخرطوم طلباً للعلاج والتعليم؟! وذات الوالي قال إن الفصل في مرحلة الأساس بولايته يضم (100) تلميذ وتلميذة!
} وهكذا حال بعض ولايات دارفور وشمال وغرب كردفان، إضافة إلى الفقر المدقع والحرب التي نهشت عظام المجتمع.. هذه الصور المأساوية في الولايات تمثل دافعاً قسرياً للسكان للهجرة نحو مناطق الخدمات الصحية والتعليمية، وكانت الجزيرة في سنوات ما قبل مقتل مشروع الجزيرة تمثل منطقة جذب للعمالة الماهرة وغير الماهرة.. ونهضت في الجزيرة مجتمعات جديدة بفضل المشروع وسماحة أهلها ووسطيتهم، فـ(الكنابي) هي ثمرة لذلك التثاقف والتلاقح والتساكن بين سكان الجزيرة الأصليين والوافدين إليها من كل فج عميق.. وبمقتل مشروع الجزيرة على أيدي حكومات السودان، وآخرها الإنقاذ التي تسعى الآن لدفن المشروع وشكر المعزين على تكبدهم مشاق المساهمة في العزاء، فإن الخرطوم أصبحت ملاذاً للنازحين من جحيم الأطراف إلى حيث الخدمات والأمن، وجحافل النازحين ستتوجه منها في مقبل الأيام إلى الشمالية ونهر النيل حيث الاستقرار والزراعة والطرق والأمن والأرض.
} وحتى لا يختل التوزيع السكاني وتخلو الأطراف لصالح دول الجوار والطامعين في أرض السودان، وكي لا تنفق ولاية الخرطوم مالها على السراب وتهدر جهدها في ما لا طائل وراءه، فلتسع لإقناع القيادة العليا في الدولة بأن السلام هو الخيار الوحيد للاستقرار، وأن الحرب تنجب النزوح والفقر والكفر والمعاصي وتشرذم المجتمع.
} ومن دروس الأمس القريب نقرأ صفحات التاريخ عن عدد النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم من الخرطوم لجبال النوبة والنيل الأزرق.. وإذا توقفت الحرب اليوم فإن أكثر من (5) ملايين نسمة سيغادرون معسكرات النزوح، وولاية الخرطوم أول من يستفيد من السلام.. ولكن كيف للفريق “الرشيد فقيري” وزير التخطيط العمراني أن يقنع نفسه أولاً بأن علاج الأمراض التي تعاني منها ولاية الخرطوم في حقن ولايات الحرب بمصل السلام؟ وكيف له إقناع الآخرين من فوقه بأن السلام هو خيار الشعب السوداني؟!
} حل مشكلة النزوح بيد الحكومة.. وحل مشكلة السكن العشوائي كذلك بيد الحكومة لا بيد غيرها.. وحتى السيول والفيضانات السبب الرئيسي فيها الجسر الواقي أمنياً لولاية الخرطوم. إذا جفت منابع الحرب وساد الأمان الأطراف وعاد النازحون إلى مناطقهم، فإن الخرطوم ستستريح من وعثاء السفر وكآبة المنظر!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية