الجنوب والملف الاقتصادي
{ رغم الخلاف الكبير في وجهات النظر بيني وعدد من الزملاء في ملف الجنوب، إلا أنني ما زلت مصرة على أن أولى الخطوات في الأساس المتين للدولة تنطلق من “جوبا”. إذ أن تعزيز العلاقات بين الدولتين يغلق الباب أمام حراك كبير يضع الجنوب معبراً للتنفيذ.
{ أعتقد أن السيد “باقان أموم” واحد من الشخصيات ذات التركيب العدواني والعدائي، لذلك ظل طوال السنوات الماضيات يبتسم في القصر الجمهوري بالخرطوم ويغادر إلى قاعات أخرى ليشارك في مؤامرات تستهدف الشمال، لأن المكنون الداخلي لشخصية الرجل يمنعه من العيش في أجواء يحفها السلام ويحركها الضمير الحي ويعزز وجودها الإخلاص والتفاني، بالإضافة إلى الغبن الداخلي الذي يعشعش في دواخله منذ فترات، ليدعم الشائعات التي تروج إلى أن الشمال أرض تستهدف مواطن الجنوب وتسعى للنيل منه واستهداف مسيرته طبقاً للنعرات القبلية والتعصب الأعمى لهذه الجزئية. ومن هذا المنطلق فإن إبعاد “أموم” من ملف الشمال وتعيين “برنابا بنجامين” بديلاً له أولى الخطوات التصحيحية التي قام بها الفريق “سلفاكير ميارديت” في الفترة الأخيرة.
{ يبدو أن رئيس الجنوب قد أيقن أن الشمال يعتبر الحليف الإستراتيجي لدولته الوليدة، وأن البناء والتعمير في جوبا وأخواتها لابد أن يتم بمباركة الشمال المفترى عليه؛ لذلك فإن خطواته الأخيرة وتعديلاته التي أجراها تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، ولا بد أن تجد الاحترام من قبل حكومتنا حتى يتبلور هذا الحراك ليفيد المواطن في البلدين.
{ ولعل الزيارة التي أجراها عدد من رجال المال والأعمال السودانيين إلى “جوبا” في اليومين الماضيين تعتبر واحدة من الخطوات التي تعضد الاتجاه المطروح بتصحيح الأوضاع المغلوطة والتفكير الجاد في خلق علاقة متميزة تخدم الدولتين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؛ لذلك فإن الفكرة في شكلها العام تبين الدور الكبير لأهل الاقتصاد في تحريك الملفات الساكنة والساخنة، إذ أن الفهم الاقتصادي والتجاري ظل على الدوام واحداً من المرتكزات التي تعين الدول في بناء مجد جديد يساهم في ترميم أخطاء الساسة والسياسيين في كثير من الأحيان.
{ استقبل رئيس الجنوب مجموعة رجال الأعمال بترحاب كبير، وأكد من خلال تصريحاته أن الجنوب سيظل مفتوحاً لكل القادمين دون شروط أو قيود، طالما أن الهم المشترك يندرج في المساهمة بشكل كبير لصالح الطرفين، وعليه فإن السيد “جمال الوالي” وصحبه الميامين – ومن قبلهم الكاردينال – قد تمكنوا من إحداث حراك مدروس بوعي كبير ومسؤولية عظيمة، تبين أن العقلية الاقتصادية في السودان ستظل واحدة من أهم الأذرع التي تساهم في معالجة الأوضاع وتصحيحها.
{ خطوة رجال المال والأعمال لا بد أن تتبعها خطوات أخريات تحرك المياه من جديد لتصب في صالح الدولتين سياسياً واجتماعيا، ومن ثم تفعيل الاتفاقيات التي توقفت بفعل فاعل في فترات سابقة، لتنزل ثمارها إلى أرض الواقع، ومن ثم نبدأ عهداً جديداً خالياً من التدخلات الخارجية ومن مؤامرات أصحاب الأغراض والأمراض.
{ اللقاء المرتقب بين رئيسي الدولتين لا بد أن يستصحب معه كل الحيثيات المطروحة بتروٍّ وذكاء؛ لأن الساحة الآن مهيأة تماماً لزرع الثقة بين الطرفين، ومن ثم التفكير في البناء الجاد الذي يعزز كل المطروح ويخلق أرضية صلبة نشيد من خلالها جسوراً إستراتيجية تنموية وعسكرية وسياسية.
{ الجنوب من أهم الملفات، ومن أهم الحلفاء الإستراتيجيين للمرحلة القادمة، لأن التجارب قد أثبتت أن مشاكلنا في الفترة الفائتة انحصرت في إطار جوبا ومدنها المختلفة. فلنفتح صفحات جديدة تعيننا على إدارة إزماتنا المستقبلية بذكاء ودبلوماسية حقيقية.