تقارير

«أبيي» .. مسارات الـخروج من الأزمة أو الاختناق داخلها!

شهر وبضعة أيام فقط هو ما تبقى – بحسب ما أعلنت دولة جنوب السودان – لإجراء استفتاء أبيي الذي نص عليه اتفاق السلام الشامل الذي أنهى آخر فصول الحرب الأهلية في البلاد. ويمنح الاستفتاء سكان أبيي حق اختيار المواطنة في شمال وجنوب السودان، كما يدعو لأن يحكم المنطقة مجلس تنفيذي يتم تعيين أعضائه من قبل الرئاسة المشتركة للبلاد حتى يتم إجراء انتخابات.
وبموجب اتفاق السلام الشامل وقانون استفتاء أبيي، كان من المفترض تعيين أعضاء مفوضية استفتاء منطقة أبيي بعد أن يدخل القانون حيز التنفيذ، ولكن حلقاته لم تستكمل حتى الآن. وتتمثل المهام المناط بالمفوضية القيام بها توعية سكان منطقة أبيي بإجراءات الاستفتاء (في منطقة تقل فيها وسائل الإعلام)، وإعداد سجل الناخبين؛ ووضع معايير الإقامة في منطقة أبيي؛ ووضع الضوابط العامة للاستفتاء بما في ذلك دور المراقبين وتنظيم الاقتراع بالتعاون مع إدارة منطقة أبيي وحكومة الخرطوم وحكومة جنوب السودان وتحت مراقبة دولية.
وما تزال أهلية الناخب محل غموض، فبموجب قانون الاستفتاء وبروتوكول أبيي ضمن اتفاق السلام الشامل، يتضمن الناخبين المؤهلين سكان منطقة أبيي، وهم أعضاء مجتمع دينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين في منطقة أبيي حسب معايير الإقامة التي تحددها المفوضية، وما يزال سكان أبيي ينتظرون الإدلاء بأصواتهم في مثل هذه الانتخابات.
ويبدو أن تعريف سكان أبيي الأصليين يمثل عمق الأزمة التي قد تنشب، بالإضافة إلى مواقف أطراف القضية المتباينة والمتباعدة تماماً. فحكومة الجنوب ترى – على لسان «إدوراد لينو» رئيس اللجنة الإشرافية على منطقة أبيي من جانب دولة جنوب السودان – أن (المسيرية ليسوا مواطنين في منطقة أبيي؛ وهم رعاة فقط ليس إلا، يمرون للرعي في المنطقة بشكل موسمي).
بينما رفضت الحكومة إجراء الاستفتاء في أكتوبر دون مشاركة قبيلة المسيرية، وكذلك عدم قبولها بأي عمل منفرد يتم اتخاذه في هذا الملف من جانب دولة جنوب السودان. بينما أكدت التزامها بتنفيذ الاتفاقية الخاصة بأبيي وعدم السماح بأية تجاوزات قانونية.
{ المسيرية تهدد
ومع إصرار حكومة الجنوب على قيام الاستفتاء في أكتوبر المقبل، ومضيها في خطوات عملية لإجرائه، وإصدار رئاسة جمهورية الجنوب قراراً يقضي بمنح أبناء إقليم أبيي العاملين في جميع مؤسسات الدولة إجازات مفتوحة للعودة إلى الإقليم توطئة للاستفتاء المزمع عقده في أكتوبر المقبل ليقرر السكان الأصليون.. كان رد قبيلة المسيرية أكثر حدة وعنفاً مع خطر استبعادهم من المشاركة في استفتاء منطقتهم. وأبلغ «مختار بابو نمر» ناظر عموم المسيرية (المجهر) أمس أنهم لن يقبلوا الاستفتاء الذي أعلنته جوبا، وأضاف: (الزول بيتو بيعرفو، ونحن ما قلنا للدينكا أمشوا، رغم إنو نحن استضفناهم.. ودي أرضنا وما بنجامل فيها، لو عايزين يقعدوا معانا خليهم يقعدوا بالتي هي أحسن). ودعا «بابو نمر» دينكا نقوك إلى العودة إلى التاريخ، مؤكداً أن لديهم أكثر من (258) وثيقة منذ زمن الانجليز تثبت أحقية المسيرية في المنطقة، وكان دينكا نقوك في ذلك الوقت تابعين للحكومة الفرنسية. وأشار «نمر» إلى أن حكومة الجنوب أعلنت الاستفتاء وكونت لجنة للمتابعة، متسائلاً عما تود الحكومة السودانية فعله حيال تلك الإجراءات التصاعدية. وهدد بأن الحكومة في حال لم تتدخل فإن (الدم ح يسيل موية)، مؤكداً أنهم لا يسعون إلى الخراب وأن أي خراب حدث في أبيي لم يكونوا جزءاً منه، وأضاف: (أبيي دي مافي زول بيخش فيها من غير موافقتنا). وفي تعليقه على منح الجنوب إجازة مفتوحة لأبناء أبيي العاملين في الدولة إجازات مفتوحة للمشاركة في الاستفتاء قال «نمر»: (اؤكد ليك إنو ما في دينكاوي واحد من أبيي خارج المنطقة). وتوقع أن تقحم حكومة الجنوب أفراداً من قبيلة الدينكا من خارج منطقة أبيي لتعزيز موقفها الانتخابي، مشيراً إلى أن قانون الانتخابات يحتم على المشاركين في عملية التصويت أن يكونوا موجودين داخل المنطقة قبل ثلاثة شهور من بدء العملية الانتخابية، والآن تبقى أقل من شهرين فقط بحسب ما يقولون، ويريدون لمن هو خارج أبيي أن يشارك في الاستفتاء، وفي هذا اختراق واضح لقوانين الانتخابات.
{ قنبلة أبيي
إذن حكومة الجنوب تمضي قدماً في إجراء الاستفتاء الذي يبدو أنه سوف يملأ الأجواء احتقاناً.. إذ شرعت في الخطوات العملية غير عابئة باعتراضات الحكومة السودانية أو تهديدات أبناء منطقة أبيي.. وهي خطوات قد تقود إلى احداث نكسة كبيرة في العلاقات بين السودان والجنوب التي شهدت تحسناً كبيراً أعقاب إقالة حكومة «سلفاكير» من يطلق عليهم (الصقور) الذين يعملون على تغيير حكومة الخرطوم. وكون الجنوب حكومة جديدة بنائب جديد هو «جيمس واني» رئيس المجلس التشريعي السابق لدولة الجنوب.
قنبلة أبيي الموقوتة التي كان يتم تجاهل خطورة انفجارها في كل اللقاءات بين قادة الدولتين منذ توقيع اتفاية السلام الشاملة وانفصال الجنوب، يبدو أنها الآن تتجه إلى التصاعد مع اقتراب ميقات الاستفتاء الذي حددته دولة الجنوب بإقصاء كامل لقبيلة المسيرية.. وفي هذا الوضع المحتقن يبدو أن ثمة خيارين لا ثالث لهما لتحاشي ما قد يجره من أزمة خانقة، كما قال «محمد مندور المهدي» نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم في تصريحات صحفية، إذ أشار إلى مقترحين يمكن أن يوافق عليهما الحزب الحاكم، إما مشاركة قبيلة المسيرية في الاستفتاء الخاص بالمنطقة، أو أن يتم التوصل إلى حل سياسي نهائي لقضية المنطقة. مشيراً إلى أنه (لا حل لقضيتي أبيى، وجنوب كردفان غير الحوار وعبر المعالجة السياسية)، مؤكداً فتح أبواب الحوار مع الحركة الشعبية لحل الأزمة.
{ الملح فوق الجرح!!
ويرى مراقبون أن الزيارة التي أُعلن أن الفريق «سلفاكير ميارديت» سوف يقوم بها إلى الخرطوم خلال الأيام المقبلة بعد تكوين حكومته الجديدة، تأتي في وقت تحسنت فيه العلاقة بين البلدين بشكل نسبي. وفي حال وصل «سلفاكير» إلى الخرطوم، فإن أول ما يجده على الطاولة – بحسب المراقبين – هو قضية أبيي التي تمضي مع تصاعد حركتها المحمومة إلى ذروة أزمتها أو إلى الحل النهائي فيها، سيما مع إيقان الطرفين أن الحل السلمي والمصالح الاقتصادية المشتركة التي تجمع بينهما، والتي لا يمكن غض النظر عنها، من الممكن أن تشكل أرضية منبسطة للحوار الجاد الذي قد يثمر بالخروج من الأزمة إلى نهايات ترضي جميع الأطراف.. نهايات يتوقع المراقبون أن تكون إلى غير رجعة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية