روح الذاكرة أنت..
{ تعودت منذ نعومة أظافري – مثل كل الأطفال – أن أنتبذ مكان قصياً كلما ضجت بدمي انتفاضات الغضب، وكلما ثارت كرياته على قرار أصدره الكبار.. وتعودت على أن أضع إبهامي على فمي تعبيراً عن ذلك أو (صرّيت بوزي) كما يقال بالسودانية..
{ ولكني ترعرعت في داخلي فكرة المكان القصي كلما ابتلاني الدهر ولطالما فعل، ويا له من مكان قصي هذا الذي جمعني بك حين هروب من ذلكم الألم الذي اعتصر قلبي.. لأجدك متكئاً على جدار الرؤى، مستلقياً بهدوء الدنيا على حلم قدومي.. وكأنك تنظر نحو كل طرق الروح لأنثى تمشي على الجمر.. هي أنا.
{ إنها امرأتك التي تعبت عيناك من ترقبها بين أعين النساء، وكلَّت يداك من البحث عنها بين صفحات العروق، وما سئم قلبك من التنبؤ بمجيئها..
{ امرأتك التي نزلت إلى هذه الأرض من رحم امرأة أخرى أرضعتها حمى النشاز!
{ امرأتك التي وهبتك العمر حلماً بالغد الجميل، فكيف لها أن لا تفرح بك حينما تجدك، وكيف لها أن تحد شوقك لها أو تفصل عنك أرض العشق.. وأنت نقطة الضعف ومنبع القوة.. أنت من تصنع من أزياء السكون الطاقة وتخرج من أرجاء اللا مكان نقطة البداية..
أنت مبتدأ الحديث وخواتيم السكوت..
أنت منبر الخطابة ومحور التحدث وروعة الاستماع..
أنت ما أردت وما أريد وما سأريد..
{ يا منتهي ألقي وبعض مقاطعي، ترهقني العبارات رداً حينما تبعث لي بكلمة منك تقطعني أشلاء وتبعثر ضفائر قصتي للريح.. حينما تكتب لي بين قوسين هكذا (يا ناسينا).. فأكون قاب قوسين أو أدنى من الحزن.. ولكني استعيد رباطة جأشي بما أوتيت من قوة.. لأبرهن أنك لا تغادر الذاكرة ما حييت أنا وما بقيت الذاكرة بخير.. لأنك (روح الذاكرة أنت).. روحها التي لا تبارحها إلا عند الموت.
{ فيا روح ذاكرتي.. كن يقظاً كلما مارس ضباط ذكرياتي مرورهم عليك.. وتيقظ فإني فيك ما دامت الروح.. والكل يدرك أن الروح لا تموت!!