أخبار

مشهدان!!

{ الصورة النمطية في المخيلة العامة للشعب عن النيابات وأقسام الشرطة أنها عنوان لإذلال الإنسان وغمط حقوقه، ومن يلج أبواب تلك النيابات فمصيره أسود، ويوم خروجه يستحق التهنئة والوليمة والكفارة.
{ والسجن يرمز تاريخياً للقهر وإهدار كرامة الإنسان وقيد حركته.. والنيابات المتخصصة في السودان واجهتها حملة مناوئة لمعارضين لمبدأ الفكرة والتميز، ولكن وزارة العدل تمسكت بضرورتها، لا للتمييز بين المتهمين، ولكن لدواعي التخصص.. فمن يرتد له صك مالي لسبب أو آخر لا ينبغي الزج به في غياهب حبس به القتلة والنهابون وعصابات (النقرز).. ومن كتب مقالاً في صحيفة بغرض الإصلاح العام فمن الظلم حبسه مع بائعات الخمور البلدية والمزورين.
{ دخلت أمس نيابة المصارف الواقعة غرب السفارة السعودية بالعمارات زائراً لصديق تعثر في سداد أقساط سيارة، ولم أقدم نفسي للضابط كصحافي.. وترجلت أمام بناية النيابة من (ركشة) عامة، وهذه وحدها شهادة انتماء لغالبية المسحوقين في الأرض، ولا يدل هندامي إلا على واقعي.. استقبلني منسوب الشرطة في استقبال النيابة بملابسه المدنية ونظارته التي تخفي نصف معالم وجهه.. طلبت زيارة المحبوس (…)، ابتسم في وجهي وأمرني بمقابلة الضابط المسؤول عن القسم.. واستقبلني الضابط بروح سمحة وكوب ماء واستعداد لخدمة الزائر.
{ عشرات المنتظرين أعدت إليهم غرف تليق بإنسانية الإنسان ومرافق خدمية جيدة واحترام للقانون والمتهم بلا زجر أو غمط لحق.. تتحدث مع (المحبوس) دون رقيب ظاهر أو مستتر.. خرجت من نيابة المصارف مزهواً بتجربة نبغي تطويرها.. فالمتهم في أي قضية يظل متهماً حتى يقول القضاء كلمته.. ومحررو الشيكات لعدم كفاية الرصيد بعضهم (مظاليم حكومة).. (حرروا) صكوكاً مالية لشركات ومؤسسات نيابة عن الحكومة، وحينما حان أجلها (ارتدت) فذهبوا لغياهب السجون في الشأن العام، بينما الحكومة ككيان لا تحبس (ولا تجلد) وتبقى كائناً هلامياً.. نفعه أكثر من ضرره!!
{ من نيابة المصارف اتجهت نهار أمس إلى جامعة الخرطوم تلبية لدعوة الأخ والي شمال كردفان” أحمد محمد هارون”، الذي انخرط في مشاورات مع القيادات السياسية والتنفيذية وأساتذة الجامعات والرياضيين عن مستقبل ولاية فقيرة حد الكفاف.. وضرب مفاصلها الفساد وسوء الإدارة وضعف الهمم.. واختار “هارون” للقائه قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، وكان اختياره خاطئاً لضيق القاعة واتساع رقعة الدعوة وشمولها قطاعات عريضة.. من كردفان الاجتماعية زحفت جموع البشر (الأعمى يحمل القعيد)، وضاقت جنبات القاعة بالرجال والنساء والطلاب والعساكر.. وجوه مألوفة تعيش في كنف السلطات المتعاقبة.. ووجوه متعففة من أهل كردفان في الخرطوم (كرش الفيل).. عاد كثيرون أدراجهم بعد أن فشلوا في الحصول على مقعد في القاعة..
{ ولكن تدافع الجمهور بهذه الكثافة يدل على أهمية الحدث وتعلق الناس بآمال وضعت على عاتق “هارون” لفعل شيء لولاية نصيبها من المشروعات التنموية صفرٌ كبيرٌ.. ولكنهم (يأملون) في “هارون” كطلقة أخيرة في ماسورة الإنقاذ!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية