فنان الشرق "سيدنا بيرق": الغناء البجاوي مرغوب أكثر خارج السودان
ولج مكتب المنوعات وطفق يتحفنا بأغنيات شرقاوية تنضح تراثاً بجاوياً وصوته الجهور يخترق الجدران وينسرب من الباب ليس خلسة بل منطلقاً كما البرق طارقاً لكل المكاتب، فيما ظللنا نحن حضوراً ذهنياً نرهف السمع لذاك الصوت المفعم والمطعم بحنو جاذب لعدد من الزملاء، كل ذلك ونحن لا نفقه كلمة أو معنى لما يشدو به، فقط نستمتع بطلاوة الصوت والإيقاع الجميل الذي يخرج من حنايا ربابته ولا نفتأ نتفرس في هندامه وهو بمثابة بطاقة تعريفية لأصوله، وقد ارتدى (سروال وعراقي وصديري) فيما تمدد شعره متسلسلاً في نواحي رأسه و(خُلال) أهل الشرق المغروس فيه كعلامة مسجلة أو ديباجة تختم على بطاقته، وبأريحية مفرطة أتحفنا فنان الشرق “سيدنا بيرق حمد” بمجموعة محاور ثرة معرفاً سيرته الفنية وجذوره وعاداتهم وطقوسهم، إيقاعاتهم أنواعها، شعرائهم وفنانيهم، ومواضيع أخرى نعرض لها عبر هذا الحوار.
شِعر البجا عمره ثلاثة آلاف سنة في (مياس) وهي محطة تقع بين (هيا وعطبرة) كان مولد “سيدنا بيرق”، ثم نشأ متنقلاً في تلك النواحي إلى أن استقر به المقام في (دراب) التابعة لبورتسودان وتقع في منطقة خلوية تسكنها قبائل رعوية بحسبه، وبدارجة محببة حدثنا بقوله من ما كنت طفل وأنا بغني أغاني تراث لانو تراثنا كتير أكتر تراث في السودان، وعندنا إيقاعات مختلفة كلها بالربابة منها إيقاع مشي الدفنة أسمو (كول)، وبرضو (بيبوب) وده رقيص نطيط في الأعراس وإيقاع سيرة و(هسييت) وده الرقيص بتاع السيف و(الواندوب) وده وتر بالربابة ما فيه غناء استخدم أيام القتال والاحتلال ونهب البهائم. ثم عرج معرفاً الشعر البجاوي: في التراث البجاوي في شِعر ليهو ثلاثة آلاف سنة، والبجا زمان كانوا موجودين بين عطبرة ومصر وتابعين لقوم “فرعون” وكان المصريون يسمونهم (البيج) لما كانوا عرباً رحل. وعن قرض الشعر والشعراء قال “بيرق”: الشعر القديم ما كان معروف سيدو منو لانو كان خطر إذا أتكلمت عن قبيلة أو نسوان بكتلوك عشان كدا تقولو وتندسا حفاظاً على نفسك وللسبب ده الشعر الموجود كلو فيهو حكمة. وفيما يعنى بالأغاني التي يرددها وما أن كانت خاصة أجاب: عندي أغاني خاصة، وفي الخرتوم بغني في مناسبات أهلنا وناس الخرتوم بسمعوا لكن ما بفهموا ومع ذلك بحبوه، وكمان بغني سيرة إيقاع عام ما حق البجا براهم، تنط أكتر تاخد جائزة، وسألناه عن شاعر ومعنى كلمات الأغنية التي أتحفنا بها، فرد: دي من الأغاني القديمة ما معروف شاعرها ولا الملحن، وشرح كلماتها بتقول (إنو في واحد بعرف مرة كانو ساكنين تحت الجبل/ مشا وجا لقاهم مافي قبّل على الجبل وقال ليهو: (أنا بستغرب من الجبل بدل ما يمشي معاهم أو يحجزهم أستغرب إنو يفضل وراهم براهو كيف؟). وفي معرض حديثه عن العادات والتقاليد المتوارثة لدى قبائل البجا خاصة فيما يتعلق بالزواج عرفنا “سيدنا” أنو البجا القديمة تختلف كان أبو الولد يتحمل النفقات ومافي عريس يختار مرة براهو يختار الأبو ويدفع المهر عبارة عن جمل، وبقية العادات كلها سودانية بخلاف أنو يوم العرس العريس ما بشوف العروس ومافي حنة، لكن بتكون في حفلة للعريس تحضرها كل القبائل وتحصل مسابقة بين الجمال ومنافسة على رقصة (البييبون) وأي واحد ينط أطول يأخد جائزة والقبائل تجيب هدايا، والعريس بكون معاهو وزير يتابع مدة شهر بعد العرس. أما العروس أختها أو أمها بحجزوها في البيت وما بتجي محل الحفلة إلا النسوان يعملوا لعب، وأهلها يعملوا ليها أوضة بعيدة في بيتهم والعريس يقعد معاهم يخدمهم لمدة سنة وما بشوف المرة إلا بالليل بس، وبعد السنة يشلو. والسماية عادية ذي كل القبائل وكمان الختان بس الفرق نحن بنختن الطفل وعمره شهرين. وبالعودة مجدداً للفن وغناء “سيدنا بيرق” الذي وصفه بالتراث، أضاف أنا كنت بسافر مصر كتير وأغني هناك لكن الوضع بعد الثورة اتلخبط، وده لأنو البجاوي مرغوب بره أكتر من السودان، والتراث السوداني عموماً مرغوب لانو ما في ذيو في أفريقيا، بس بخربوه بالآلات الحديثة، وأنا ذاتي بغني بيها لكن الربابة عندها وقع تاني والخواجات طوالي بسألوني منها وعن كيفية صنعها قال: زمان الأوتار كان بتتعمل بجلد الجمل وكان حجمها أكبر وبضربوها بالخشبة وصوتها خيالي، وتغيرت لما ظهرت السلوك، وربابتي بعملها براي وعندنا سلم معين وإذا مافي سلم بنتعب ذي الحاجة الناقصة. عرض علينا “بيرق” وثيقة عبارة عن إجازة صوته من الإذاعة السودانية ممهورة بخط الدكتور “الماحي سليمان” وقد سجل لها ثماني أغنيات، وتمت استضافته أيضاً في قناة (النيل الأزرق) و(الخرطوم) و(البحر الأحمر)، و”بيرق” يعتبر واحداً من سبعة فنانين طفقت شهرتهم آفاق الشرق وهم (دوشكا ـ محمد البدري ـ درير ـ محمد عبد الله ـ الطاهر إيمان ومحمد سعيد).