الديوان

(براد الشاي) .. عراقة ومسميات في الوجدان السوداني

السودانيون كغيرهم من الشعوب يفضلون الشاي ويحرصون على شربه في الصباح الباكر وبعد وجبة الإفطار والغداء، والبعض يشربه بمزاج عالٍ عند مغيب الشمس ويسمونه (شاي المغرب)، وهناك من يشربه بعد العشاء وأناس آخرون لهم عشق خاص للشاي (البرامكة) في كردفان والشوايقة في الشمالية، والسودان يستورد كميات ضخمة من الشاي ويصنع بنكهات عديدة وبجودة متباينة، ويعد (الشاي الكيني) من أجود أنواع الشاي، وللشاي جلسات أنس وطقوس مختلفة،  فعند الصباح تجتمع حوله الأسر كباراً وصغاراً، وتهم )ست البيت( بتحضير الشاي لأطفالها ولزوجها الخارج لعمله مبكراً، كما أن لشاي المساء (شاي المغرب) وقعاً خاصاً نسبة لما تحمله الجلسة من معانٍ جميلة، ودائماً ما تكون الدعوات و(العزايم) لأعز الناس والعرائس لتناول شاي المغرب مع تجمع الأسر أو الجيران أو الأصدقاء، كما تقام (حفلات الشاي) ويقدم الشاي في أوانٍ عديدة أشهرها عبر التاريخ (براد الشاي) الذي كانت له مكانة عظيمة في نفوس الأسر منذ أكثر من مائة عام، وتحرص المرأة السودانية على شراء (البراريد) بأنواعها وأشكالها المختلفة من (الصيني) و(الزنك) ومعدني (الطلس والالمونيا)، ويكاد لا يخلو منزل سوداني عريق منها خاصة (الصينية) الشهيرة منها على الرغم من اندثارها أو عدم تداولها كما في السابق، ويلاحظ بقاء الفنادق على تقديم الشاي في البراريد الفارهة، كما يحرص الناس في الأرياف حتى الآن على تقديم شاي البراد.
التقينا بامرأة من زمن أصيل حكت لنا عن عراقة البراد وأهميته في حياة السودانيين في الماضي، “حجة محمد” في حديثها إلينا قالت إن وجود البراد كان مهماً ويستخدم في تقديم الشاي منذ أمد بعيد، مضيفة أن البراريد كانت تأتينا من (الصين) و(اليابان) و(انجلترا)، بجانب براريد (الزنك) المصنوعة من الحديد والمطلية بمادة الطلس، وزادت )شاي البراد( يقدم طازجاً وساخناً ليعطي المذاق الحقيقي والنكهة اللذيذة واللون الصافي النقي للشاي، إضافة إلى شكل البراد الناصع الجميل، والشاي عندما يوضع على )براد الصيني( الأصلي القديم يُرى ما بداخله شفافاً ونقياً، وكانت براريد الصيني تتسيد الساحة قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية التي أدت إلى انهيار مصانعها الضخمة، وأضافت قبل الحرب العالمية في زمن السيدين “علي الميرغني” والإمام “عبد الرحمن المهدي” ومطرب الحقيبة “كرومة”، كان تجار الآنية يرسلون صورهم إلى (الصين) و(اليابان) لتطبع على (البراريد) بجانب (الجبنات) الصينية التي تقدم فيها القهوة.. وكان الناس حينها حريصين على اقتنائها خصوصاً لدى المريدين والمحبين للأنصار والختمية، وما يزال البعض محتفظاً بها حتى الآن كإرث وتاريخ.
ويوضح العم “عبد الله محمد” في حديثه إلينا أنه في الأربعينيات كان براد الفنان “كرومة” مشهوراً  ومقدماً على (براد السيدين علي الميرغني والإمام عبد الرحمن) إذ تهواه النساء لأنه فنان.
وعن (البراريد) القديمة التي كانت موجودة بجانب الصينية تقول “ستنا أحمد”: مصنوعة من (الزنك) ويفضلها الناس في الريف وكانت تأتي من (تركيا) و(مصر)، مشيرة إلى أن السودانيين والمصريين في الريف مازالوا يستخدمونها في تقديم الشاي، أما (براريد الألمونيوم) فتعد حديثة أيضاً ودخلت السودان بداية الأربعينيات وقبلها كانت (براريد الاستيل) موجودة حسب قولها. كما ذكرت أن سعر (براد الصيني) كان (3) قروش ونصف فقط، وتحسرت على اختفاء (البراد) الذي كان يأتي قديماً لناس البيت والضيوف على صينية مفروشة بالفوطة المطرزة كالمناديل مع الكبابي الأنيقة المبخرة (بالمستكة) وتكون مغطاة بفوطة مصنوعة من السكسك والخرز.
من جهتها وجهت الأم “عزيزة بابكر” اللوم لبعض نساء اليوم بسبب خمولهن الذي أسهم في اختفاء (البراد الأصيل) بعد أن حل (السيرمس) الذي يحفظ الشاي لفترة أطول ولكنه حتماً يغير لون وطعم الشاي تماماً، وزادت أن (السيرمس وصبارة الشاي) في التقديم ليس بأرقى من (البراد) الذي ما تزال الفنادق والكافيهات الفارهة تقدمه بذات الطريقة القديمة، وأكدت أن بعض الأسر الراقية والبسيطة مازالت متمسكة بتقديم الشاي في (البراد) وطقمه، وتستخدم السيرمس أو (الصبارة) فقط لشاي الصباح لأن لمته شبه انتهت.
وفي استفسار الصحيفة عن (البراريد) أضاف “عبد الرحيم محمد” تاجر الأواني بسوق أم درمان العريق أنها اختفت ولم تعد الآن موجودة كما السابق بالسوق عامة، وقال: كنا نشتريها في السابق ويصعب الاستغناء عنها لكثرة الطلب عليها، والآن صارت ديكوراً في البيوت، وأضاف: (السيرمس) الآن أشكالها مختلفة وجديدة ومتطورة بإضافة بعض (التلبيسات) عليها من الزجاج والبلاستيك والكريستال، وأخرى من البايركس وبداخلها مصفاة لحبيبات الشاي، وهذا النوع هو المرغوب حالياً بالأسواق، وأكد أن البراد الصيني القديم غير مرغوب حالياً كما السابق بشكله المألوف وحل السيرمس كبديل أساسي على الرغم من أن سعر (البراد) أرخص منه، حيث صار يأتي بأشكال مختلفة ومقاسات كذلك للشاي والقهوة، وأصبحت له أسماء حسب فخامته وجمال شكله (كدلة وبرج العرب، الطاؤوس وبرج العرب والهرم، السنبلة وأبو فيل) وغيرها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية