حاسبوهم سيدي الرئيس
} الضبابية تكسو كل تفاصيل الحياة العامة في السودان، والخوف والقلق باتا يسيطران على كل المشاهد الموضوعة على خشبة المسرح العريض، والنتيجة كوارث حقيقية من كل حدب وصوب، رغم إصرار الوالي “الخضر” على أن ما يدور في السودان عبارة عن أزمة، ولكننا سنجد له العذر وسنلزم الصمت إلى حين، لأن معاني اللغة العربية تتنوع وتختلف من كتاب ومعجم لآخر، للدرجة التي يمكن التوصيف حسب الموضوع أمامنا، ومن ثم فإن اختلاف الآراء لن يفسد للود قضية، ولن يغير وجهة نظر الراعي أو من معه من (الكورال).
} دارفور تزداد اشتعالاً ونيران الخلافات تطفح على السطح من جديد، وتزداد وتيرة الاحتراب بشكل كبير وتتبارى القبائل وزعماؤها في توزيع التهم والبيانات الصحفية، وكل يدلو بدلوه حسب وجهة نظره وتجميل الموقف الذي يحيط به. والحكومة تتفرج على هذا العبث المطروح، لأن عصا الحسم باتت مقوسة وغير مفيدة.
} كوارث الأمطار تأخذ ألواناً مختلفة في مسرح الحياة العريض، وضحايا السيول تزداد في كل صباح، والأرصاد الجوية تبشرنا بقادم أسود وأحلك من ما مضى، مما يعني أن حياة البشر قد باتت في كف عفريت، لأن تحركات الوالي ومن معه لم تعد البسمة إلى شفاه الأطفال، ولم تنجح حتى الآن في توفير الأمصال والأدوية الصحية، بالقدر الذي ينبغي أن يكون، فكيف لها أن تتحمل تبعات قادمات أمر وأصعب.
} وقبل أن نتناول الشرح التفصيلي لمأساة أهلنا في شرق النيل ودار السلام وغيرها من أجزاء الخرطوم، لا بد لنا أن نطرح استفساراً إلى حكومة الولاية، نطالب من خلاله بشرح وافٍ حول التجهيزات والميزانيات التي صرفت قبل فصل الخريف، وكيف تم توزيع العطاءات وعمليات الفرز والمنح ومن ثم العروض التي قدمت، وشكل العمل الذي نفذ ووافقت عليه الولاية، لأن الموضوع يندرج في إطار المال العام أولاً ومن ثم يمكن أن نتفاكر في الكوارث التي صاحبت انهيار المجاري في أول اختبار حقيقي، فهل المواد المستخدمة كانت فاقدة للصلاحية أو مستخدمة في دول أخرى وتم استجلابها بأرخص الأسعار؟!
} القضية لم تعد أمطاراً دمرت عدداً من المنازل وضحايا راحوا جراء الأحداث، إذ أن الملف قد انتفخ بشكل كبير وحمل بداخله العديد من الأسئلة التي ينبغي أن نسمع حولها إجابات شافية وكافية، لذلك قبل أن ينبري أي من المسؤولين في ولاية الخرطوم ويشرح في وسائل الإعلام المجهودات التي بذلت بعد خراب مالطة، لا بد أن يوضحوا للرأي العام ما تم قبل الأمطار والإستراتيجية التي انتهجوها من أجل تنظيف المجاري وبناء الأخريات وتعلية المناطق وغيرها من التفاصيل.
} الشعب السوداني الآن يعيش حالة من الحراك الإنساني، ولعلها محمدة رغم المواجع التي سبقتها، ولكننا سعيدون بهذه الشهامة والنخوة التي حركت كل الفعاليات بالشكل الذي نراه، لذلك فمن حقنا أن نطالب بفتح كل الملفات التي سبقت الخريف، لنعتذر من بعدها لأسر الشهداء وللمتضررين، ونشاهد محاسبة المتقاعسين والمتورطين في كل الأحداث التي يتابعها الشارع السوداني بألم حقيقي.
} الحساب هو المفتاح الرئيس لإغلاق صفحات الماضي، ولإزالة الغبن الذي عشعش في النفوس وسيطر على القلوب، ومنح الكثيرين إحساساً بالاستهتار والتلاعب الذي صاحب كثيراً من الأعمال المقدمة من قبل الدولة للمواطن.
} حاسبوهم سيدي الرئيس وقدموا تجربة جديدة لإرساء قيم فاضلة تعضد قيم الإنقاذ ومبادئ المؤتمر الوطني، لترسل من خلالها رسالة للعالم أجمع مفادها أن القانون والحساب والعقاب سيكونون سيفاً في طاولة الراعي مهما كانت مكانة المتهم.