الوالي والينا
{ أمر زوجته بالانصراف عن إعداد طعام إفطار رمضان وغسل الجلابية المخصصة للقاء الحكام حينما تتاح الظروف والعمامة المطرزة والشال.. الزوجة اعتذرت لانشغالها بعصيدة الفطور، ولكنه قطع الطريق أمامها قائلاً: “يا ولية أنا اليوم سأتناول وجبة الإفطار مع الوالي الجديد حيث تم ترشيحي من قبل جهات علياً في الحزب والحكومة وزيراً مرة أخرى.
قفزت الزوجة من الفرح، وتذكرت تلك الأيام حينما كان زوجها من رموز الحكومة وقادة الحزب والتنظيم يهرع إليه سكان الحي، وفي خدمته السيارة اللانكروزر البيضاء والبوكس (لهيب الشوق) والسيارة الصالون.. وكيف أن الأيام قد جاءت عليه وانصرف عنه القريب قبل البعيد وتآكل رصيده في البنك واضطر لبيع الحافلة وحتى (الأكسنت) تخلص منها .. ولولا بص الوالي لمشى مع الشعب راجلاً.. عاد لمنزله في الرابعة عصراً مزهواً بتعيين الوالي الجديد، ارتدى الجلابية الوحيدة المتبقية من العهد الذهبي.. ووضع (الملفحة) على طريقة “حسين خوجلي”.. وحمل عصاه نحو منزل الوالي الجديد.. تزاحمت القيادات والابتسامات البيضاء والصفراء في وجه الوالي.. عناق طويل.. وهتافات من شباب قادم على (بوكس) من أطراف المدينة.. جلس السياسي بالقرب من الوالي فأخرج مسبحة من جيبه وهو ينظر للوالي كعاشق يتفرس وجه محبوبته، ومشتاق يسعى لمشتاق..
مع رفع آذان المغرب.. هرع الجمع الغفير على البلح والبليلة والمياه.. والوالي الجديد يأمر بزيادة الطعام.. بعض من الباحثين عن مواقع لهم في السلطة القادمة زاحموا صغار السن في حمل (الأباريق) وغسل أيادي الضيوف والبعض يصب الشاي والقهوة.. وحينما رفع آذان صلاة العشاء حاول الوالي الاعتذار للضيوف الذين تكاثر عددهم وتعددت مشاربهم وسحناتهم ولكنهم جميعاً يدعون وصلاً بـ”نافع” وحباً لشيخ “علي” وطاعة “للبشير” .. أصبح من كان بالأمس ناغماً على الإنقاذ من حراس بواباتها الأشداد حتى الوالي نفسه تخلى عن انتقاده للسياسات الاقتصادية ورؤيته السابقة للتفاوض مع قطاع الشمال والتسوية السلمية في دارفور وركب مع الصقور سروج التشدد والحلول العسكرية.. وجد الوالي نفسه يصلي العشاء والتراويح محاطاً برجاله الجدد، بعضهم التقاهم لأول مرة، وآخرين من أصدقاء الدراسة والتنظيم أيام العسر والمشقة وآخرين من ذوي الوجوه الناغمة والوجوه (النعمتها النعمة).. عادوا معه في هجعة الليل لمنزله في انتظار العشاء، وبعد كل ساعة وأخرى تتضاعف أعداد زوار المنزل، وطلاب في الجامعات وآخرون يسمون أنفسهم بالفعاليات وما هم إلا عاطلين عن أي موهبة يتزلفون للحكام القدامى والجدد.
عاد الجميع إلى مساكنهم يطمئنون أنفسهم وزوجاتهم بأن تعيينهم بات قريباً جداً وأن الوالي الجديد هو خيار الشعب والحزب.. يملك شخصية فذة وقدرة على الإبداع وأن الشعب السوداني يستحق أن يقوده هؤلاء الرجال. وما إن يعلن الوالي حكومته وإلا يتفرق من حوله الجمع ويرتقي لمنصب الوزير من يرتقي ويعود لساحة المراقبة من يعود، وكل والٍ وأنتم طيبون.