حوارات

الصادق المهدي في حوار فوق العادة مع "المجهر":2-2

الحديث إلى “الإمام الحبيب”، السيد الصادق المهدي كما يحلو لمريديه مناداته، له طعم خاص ونكهة “حريفة”، فهوكلام يتوجه إلى موطن الداء بكلمات كأنها “مبضع وترياق”، في آن، ولأن مجتمعنا “معلول”، قصدنا بهذه السياحة معه، إستعارة المبضع والترياق، علنا نسهم في معالجة أدواء بلد.
كما أن للحديث بهاره، فإن سياحة “المجهر” مع الإمام تضمنت طرَفاً، وطُرفاً من حياة الرجل الثرية، حدثنا خلالها الرجل عن علاقته بخيله ونسائه وعياله، وتداخل العملية التربوية بين الأطراف الثلاثة، وأفاض في تشخيص أمراض مجتمعنا،
فضلاً عن جوانب خفية وقضايا مثيرة للجدل أجاب عنها بوضوح شديد دونما تردد، فإلى مضابط الحوار.

* السيد الصادق نعود إلى أولادك من بالتحديد  يشبهك..؟
– كل أولادي يشبهوني بصورة أو بأخرى، و”إنت ذاتك لما تشوفيهم طوالي تقولي ده ود فلان، ودي بت فلان، اتقسموا ملامحي، كل زول من زاوية”.. هذا من حيث الملامح، أما من حيث السلوك فقد ربيتهم على الحرية، لا أقول لهم “سووا وما تسووا”، يعرفون ما أريد من طريقة كلامي، استخدمت معهم سياسة الايحاء، وهي حسب ظني أنجح.
لم استخدم معهم سياسة الضرب “ما بدقهم”، فقط أجعلهم يشعرون بعدم الرضا، وهذه تعذب أكثر من الضرب، ولا أحد من آرائهم، وحين يكبروا أصادقهم، ولا أميز بين الولد والبنت.
صحيح أن ثقافتنا مازالت تميز الولد بصورة كبيرة، والبنات يشعرن بهذا، لكنهن يعرفن إني لا أميز بين الأولاد والبنات. أنا أرى أن البنت مضطهدة، لذا اجتهد لتغذية فكرة محو الإضطهاد، وأظن أن هذه التربية نجحت في أن يكون أولادي وبناتي أسوياء أتقياء بدون مغالاة، ومواطنين وطنيين بدون تنصل عن القضية الوطنية، ليس شرطاً أن يكونوا ساسة، لكن من موقعهم “طب، صيدلة، صحافة؛ وغيرها”، يكونوا أتقياء وطنيين، ووصلوا لموقعهم باجتهادهم وليس بصفتهم “أولاد زيد ولا عبيد”.
“أولادي لما يمشوا يقول الواحد فيهم فلان الصادق، وما بتمها، لأنو في ناس بحبوني لإسمي  وليس لفعلي”.
* من يخلفك من أولادك في شؤون الأسرة..؟
– الماسك معيشة الأسرة هو “صديق الصادق”
* من أقربهم لقلبك..؟
ـ كل واحد وواحدة منهم عندوا موقعو زي الكورة في الملعب، هم زي بيت المتنبي “أبناءنا مثل الجوارح”.   
* رمضان في بيت الصادق المهدي..؟
– في رمضان بركز على الفطور، ولا أتبع سياسة هذا عشاء أو سحور، فيهما، آكل حاجة خفيفة، لبن وفاكهة ورقاق وخضروات، وجبتي الأساسية الفطور، ثانياً مع أولادي “بنات وأولاد”، أزواجهم وأحفادي، نعد فطور للجيران “حتى سابع جار” في حي الملازمين، ثم نصلي التراويح بالجزء في مجمع كبير جداً في جامع الهجرة. هذا يومي، هنا يوم لكل الأسرة والناس العندهم معي علاقة رحم، ويوم فطور مفتوح للهيئات الدبلوماسية في السودان، وفي آخر جمعة في رمضان “الجمعة اليتيمة”، هناك فطور مفتوح في مسجد الهجرة، كل زول يجيب فطوروا، وهذا تقليد عملوا الإمام عبدالرحمن، وأنا ماشي عليه حتى الآن.
سأغير هذه الطقوس في رمضان هذا العام، لأنني أريد الإختلاء بنفسي لـ”أكتب السيرة النبوية”، لأني أعتقد أن سيرة الرسول الكريم، أقول من وقت باكر في هذه النقطة، بها “تشويهات كتيرة على حساب شخصيته”. لذا سأركز في هذا الشهر وألغي كل الأنشطة الإجتماعية.
وسيطلع للناس منشور منذ الليلة ـ الخميس الماضي – بأني سأتبع نهجاً إستثنائياً، واحتجب لكتابة السيرة النبوية، وكنت في رمضان عادة، إما أن يكون “فاطرين معاي ناس، أو فاطر مع ناس”. 
* مواقف مرتبطة في ذاكرتك برمضان؟
– قضيت رمضانات كثيرة في السجن، 8 رمضانات، كانت لها صفاتها الخاصة، أحياناً اعتقلت في رمضان، وكان هذا نوعاً من الكيد، لأن الناس عادة يتعاملون مع رمضان كواحد من  الأشهر الحرم، يبطلون فيه العداوات والمشاحنات، لكن السلطات لا تملك هذا الشعور، وتفعل  أي شئ.
حزنت جداً لإعدام (28) ضابطاً في 28 رمضان، كان هذا من أقبح المناسبات التي حدثت في رمضان، مثلما كان إعدام صدام حسين في عيد الأضحى، ويفترض أن تكون في رمضان درجة من المصالحة الإجتماعية والمودة، ويفترض أن يتهادى فيه الناس أكثر ويتعازمون أكثر، بما يرفع من وتيرة الحميمية بينهم.
* السيد الإمام تحدثت عن العزوف عن الزواج “البورة”.. وقلت إن كثيراً من مشاكل المجتمع لها علاقة به.. كيف..؟
– تكلمت في الحقيقة عن تسهيل الزواج، وقلت إن سبب عدم الزواج “البورة”، ولا أقصد  “بورة البنات، الأولاد كمان بايرين”، وقلت إن (25%) من الشباب في سن (18 – 40) سنة بائرون بورة  عامة، البنات بسبب ضعف الإقبال على الزواج، والشباب بسبب صعوبة الزواج.
تكلمت عن هذه الصعوبة التي جعلت الأولاد لا يتزوجون، “لو سألت أولاد في الأحياء العادية عن تكلفة الزواج، فإنها لن تقل عن 15 مليون، يلمها الشاب في كم سنة”؟ حتى لو تبرع له أهله بالمبلغ أين يسكن وزوجته، فإذا أضفت لهذا مشكلة العطالة، فإن الشعر الحلمنتيشي يعبر عن مشاعر الفتيات الراغبات في الزواج:
“نحن البايرات ياجماعة شعارنا عريس متواضع
ياحي يارازق أسمع.. ما قصدنا شيلة وحفلة بحاجة قليلة بنقنع”
وما الحل لهذه المشكلة الإجتماعية الكبيرة في نظرك سيدي الإمام؟
– يجب تبسيط الزواج إلى عرض وقبول وشاهدين وإعلان وحفلة بسيطة، وإلغاء الصالة والفنان وفستان الزفاف والبدلة الإسموكن، هذه كلها أشياء غلط، الفكرة تبسيط الزواج.
* كيف تزوجون الأنصاريات وبنات الأنصار كيف؟
– مثلهن مثل بنات السودان الباقيات، للأسف هناك كلام نظري، بعض قبائل الأنصار “الجبلاب” اتفقوا على تبسيط الزواج، لكنه ليس تبسيطاً عاماً، نحن ننادي ونرتب الآن لورشة تضع نصوصاً لهذا الموضوع، وعهد بيعة يلتزم به الناس.
أحياناً تأتيني “كروت دعوة” فاستغرب كيف يسرف الناس هكذا، كرت الدعوة عبارة عن كتاب معمول بالزخرف والزينة، هو ذاته ميزانية، الصالة، الفنان،  أما الفستان فحاجة قبيحة جداً، نحن في تقاليدنا ما بنفرح بالأبيض، “اللون الأبيض ده إما لون حد إما لون عبادة عندنا”، نحن بنفرح بالألوان: “السرتية،  القرمصيص، الفركة”. في الحقيقة هذه الأشياء دخيلة علينا وغالية جداً، ونتيجتها أن يتتزوج الشخص بالملايين، فيضع مقاييس تمنع الباقين الزواج.
هناك عقبات أمام الشباب الراغبين في الزواج، وإذا لم تتم مواجهة جدية لهذه العقبات، سيضطر الأولاد والبنات إلى إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وهذا ما أصبح يحدث، وأنا أتساءل عن نسبة العلاقات الجنسية خارج الزواج الآن، وللأسف أجد أن النسب عالية جداً.
ولم يعد الأمر مقصوراً على تلك العلاقات، بل نشأت تقاليد مواكبة لها، وتتمثل في انتشار المخدرات بصورة مرضية، وانتشار الأمراض المنقولة جنسياً، وتقول الإحصائيات إن عدد  المصابين بالأيدز المسجلين (70) ألف، هذا غير المسجلين، وهذا يرتبط بالانحلال في العلاقات الجنسية. ولا يقتصر على العلاقات الجنسية الطبيعية، بل زادت المثلية الجنسية في السودان بصورة كبيرة جداً، بما يعني أننا الآن مجتمع في طريقه للإنهيار الأخلاقي، بسبب العلاقات المثلية والعلاقات غير الشرعية وانتشار المخدرات وانتشار الأوبئة.
وفي رأي أن كل هذا مرتبط بصورة أو بأخرى بأزمة الزواج والعطالة والسكن، ما يجعل الناس يلجأون لـ”العلاقات البرانية”، في الوقت الذي يدعي فيه النظام تطبيق الشريعة والإسلام، وليكتسب منظر الفضيلة لا يعترف بهذه الرزائل.
* هل زادت معدلات العلاقات خارج الزوجية منذ عهدكم في السلطة أم تراجعت..؟
دعيني أحكي لك قصة: “كنت معتقلاً في السجن، الضباط المسئولين في الأول كانوا بتعاملوا معاي كعدو، لكن بعد ما قعدنا شوية وصلوا معاي وتلونا القرآن، وبدو يستلفو مني كتب، حدث نوع من الصداقة بينا، سألتهم يا أبنائي قولو لي الفضيلة في الشارع السوداني أفضل الآن ولا سنة 89م، فقالوا لي بالإجماع سنة 89م.
انتشرت المخدرات انتشاراً كبيراً، وزادت نسبة العلاقات المثلية وغير الشرعية، وارتفعت نسب الإصابة بالأيدز، وزاد مستوى العطالة، وصارت أزمة الفقر وأزمة السكن أكثر حدة مما كانت عليه.
لهذا يجب أن يعترف الناس بهذه الحقائق، لكنهم للأسف مركزين على القضايا الأمنية، وجبهات الحروب، والقضية السياسية، وجدل أن يستمر النظام أو لا يستمر، فيما لا تجد المشكلة الإجتماعية الإهتمام الكافي.
طلب مني ذات مرة الحديث في مناسبة بعض الناس أطلقوا “صندوقاً لتسهيل الزواج”، فقلت لهم إن المسألة ليست مربوطة بتيسير الزواج وحده، بل ترتبط بالسكن، العطالة، الفقر، فلو حلينا مشكلة الزواج، لن تحل هذه المشاكل، وبالتالي يجب أن تكون النظرة شاملة: “ماذا نعمل في مسألة السكن، ماذا نفعل لمشكلة العطالة”؟
المطلوب لمواجهة هذا الواقع أن نحل كل هذه المشكلات، ثم نأتي لـ”المشكلة الجنسية”، التي أصبحت مستعصية، “الرجال أصبحوا يكتفون ببعضهم، والنساء يكتفين ببعضهن”.
العلاقات المثلية بتظهر في الرجال، أما بين النساء فيصعب إكتشافها، وللأسف لا يمكننا تغطية رؤوسنا مثل النعام، ونسكت عنها،  يجب أن نتكلم ونفكر لنجد علاجاً لهذه الحالات، لأن مجتمعنا مصاب بتأزم إجتماعي كبير، وللأسف الناس الذين يتكلمون بطريقة الوعظ لا علاقة لهم بالواقع.
* أليس للوعظ والإرشاد دور في إصحاح المجتمع..؟
ـ أنظري لمن يقولون إننا لن نسمح أبداً بالواقي الصحي لأنه يشجع على الزنا..الخ، أنا أقول إن الواقي الصحي ممكن يكون للعزل بين الرجل وزوجته، وهو أمر معروف منذ عهد الصحابة، كأن يكون أحدهما مريضاً ولا يريد نقل المرض للثاني، نعم العلاقات غير الشرعية جريمة يعاقب عليها القانون. لكن المسؤولين عن الصحة معنيون في ذات الوقت بمنع انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، ومن مقاصد الشريعة إرتكاب أخف الضررين، وفي ظني ضرر علاقة غير شرعية يحاسبه القانون الجنائي، أما ضرر انتشار الأمراض فلا راد له.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية