شهادتي لله

(نقل الحوادث) إلى المجهول!!

{ قرر وزير الصحة بولاية الخرطوم البروفيسور “مأمون حميدة”، قبل أشهر، نقل قسم حوادث (المخ والأعصاب) من مستشفى الشعب، ومستشفى الخرطوم، ليس إلى مستشفى “إبراهيم مالك”، كما يظن السيد والي الخرطوم الدكتور “عبد الرحمن الخضر”، ولكن إلى المجهول..!!
{ الرواية التالية يحكيها لي أحد أطباء مستشفى الخرطوم، وليس واحداً من عوام الناس، فقد واجهتهم بمستشفى الخرطوم قبل ثلاثة أيام فقط (حالة طارئة) لمريض يعاني من (جلطة) بالرأس، ولأن القسم الصغير بالمستشفى قد تم نقله إلى المجهول، كما ذكرنا آنفاً، فإنهم حولوا (الحالة) إلى مستشفى أم درمان، فأعادوه (ناس أم درمان) إلى مستشفى الخرطوم مرة أخرى..!!
{ قاطعتُ نائب الاختصاصي الراوي بقلق لا يعرفه كثير من الأطباء في بلادنا: (ماذا فعلتم.. هل مات المريض.. أم أنقذتموه؟!)
رد عليّ بهدوء: (أعدناه مرة أخرى إلى مستشفى أم درمان)!!
قلت له: (لماذا.. كيف تتعاملون مع حالة بين الحياة والموت بهذه التحويلات وهذا البرود؟!)..
أجابني: (الحالة تحتاج إلى تدخل جراحي لأنها جلطة متحركة، وبالتالي لا بد من وجود اختصاصي جراحة مخ وأعصاب)!! قلت له: (ولكن حتى قبل نقل حوادث المخ والأعصاب فإن الاختصاصيين لا يأتون ليلاً لإنقاذ مثل هذه الحالات؟!). رد قائلاً: (ولكننا نجهز الحالة تماماً للجراحة، ولا يمكننا أن نفعل الآن ونحن نعلم أنه لن يأتي اختصاصي في الصباح الباكر.. بل لن يأتي نهائياً، بسبب نقل القسم، فكيف نستبقي معنا مريضاً نعلم أن علاجه ليس بأيدينا؟).
{ واصلت الحوار المفيد مع الطبيب الشاب، فأنا عادة أحب أن أتلقى معلوماتي دائماً من المستويات (الأدنى)، ليس من (الولاة) و(الوزراء) ووكلاء الوزارات، لأن الأولى تأتيني بدون رتوش، وتحسينات وتبريرات، ومؤتمرات صحفية. فإذا ذهبت إلى إحدى (الولايات)، أو الوزارات أو المرافق العامة، فإنني أسأل سائقي السيارات وأفراد الحراسة، والبوابين وصغار العمال، وأحياناً الطباخين، وعامة الناس في الأسواق، عن رأيهم في (الوالي) أو (المعتمد).. ولا أسأل أمين الحركة الإسلامية بالولاية أو المحلية، ولا أمين الاتصال التنظيمي ولا وزير التخطيط العمراني.. مثلاً. ومن بعد سؤال صغار العمال، فإنني أراجع الأقوال وأحللها قياساً بالمرئي من إنجاز أو إخفاق لهذا المسؤول أو ذاك.
{ واصلت حواري مع الطبيب (النائب): (ألم تقل حكومة الولاية إنها نقلت حوادث المخ والأعصاب والأطفال إلى مستشفى “إبراهيم مالك”؟!) أجابني: (ذلك قسم للحالات الباردة).. أما حوادث أطفال “جعفر بن عوف” فقد تم نقلها، ولكن قبل أيام استقبلنا حالة طفل بمستشفى الخرطوم وربما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن عناية الله ثم إسعافاتنا أفلحت في إنقاذه.
{ وما هي (الحالات الباردة) يا دكتور؟! قال: هي التي يمكنها الانتظار أسبوعين.. ثلاثة.. شهرين وأكثر في قوائم العمليات لدى اختصاصيي الجراحة!!
{ انتهى الحوار القصير المثير.
{ ودعوني أسأل والي الخرطوم، فهو المسؤول الأول عن رعيته في العاصمة المثلثة وضواحيها: إلى أين تم نقل قسم حوادث المخ والأعصاب الذي كان بمستشفى الشعب، إضافة إلى جناح بمستشفى الخرطوم؟!
{ ما هي الفائدة المرجوة من نقل أقسام الحوادث من (الوسط)، حيث لكل عواصم الدنيا مستشفيات وخدمات علاجية (طارئة) في الـ (Downtown)، في أمريكا، في أوربا، في “دبي”، في “بيروت” وفي القاهرة (وسط البلد)، وفي كل المكان، إلاّ في خرطوم “الخضر” و”مأمون حميدة” اللذين يريدان أن ينقلا (الأواسط) إلى (الأطراف) لتصبح الأطراف أواسط والعكس صحيح!!
{ من المسؤول عن حياة مواطن كذاك المصاب بجلطة في الرأس، فإذا بالمستشفيات تلقي به، الواحدة إلى الأخرى، وبالعكس أيضاً!!
{ من المسؤول يوم القيامة، وليس أمام مجلس وزراء ولاية الخرطوم، عن تعرض حياة طفل صغير للخطر الداهم، بسبب حمى طارئة، أو حريق، أو آلة حادة، وأسرته تقطن “توتي” أو “بري” أو “المقرن” أو “القوز” و”الحلة الجديدة” والخرطوم (3) وغيرها من الأحياء، والمسافة أقرب بالتأكيد إلى مستشفى “جعفر بن عوف” منها إلى “إبراهيم مالك” المحشور في قلب حي الصحافة البعيد؟!
{ ما حدث في أمر نقل حوادث المستشفيات مجرد عبث، ما بعده عبث واستهتار بحياة الناس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية