أخبار

(موية) عصير!!

{ كنت أظن أن الصيام قد فعل الأفاعيل بنظري وأصابه بالارتخاء في عصب العين، أو ربما (الموية السوداء)، وأنا أتمعن كمية المياه المسكوبة في كوبي قبيل الإفطار، فأجدها بنية مائلة إلى السواد الداكن، فظننتها عصيراً للعرديب، وربما (تبلدي) مخلوط ضمن الخلطات الجهنمية التي تقدمها “خديجة” العاملة في منزلي، ولكن وبعد الأذان اكتشفت أن الكوب ممتلئ ماءً، وأن عقلي قد ذهب بعيداً في إطار (الجرسة) و(الهضربة) التي نصاب بها في الدقائق الأخيرة قبل أذان المغرب، وحينها أدركت أن الإصابة بالمرض لا فكاك منها!!
{ كمية المياه المليئة بالطين التي يتجرعها الشعب المسكين في بعض المناطق، لما يزيد ربما عن الأسبوعين، تدخل في إطار اللا مبالاة التي ينتهجها كثير من أصحاب القرار في هذا البلد، والمؤسسات المنضوية تحت لوائهم. ولعل الأمراض التي سكنت أجساد عدد كبير من الشعب السوداني (الفضل)، ما هي إلا جراء هذه الأحداث التي نتابعها بصبر وألم كبيرين، لأن الأزمات التي تقع علي عاتقنا واحدة تلو الأخرى، تشي بأن الحكومة وموظفيها راضون عما يدور، إن كان في الأسواق أو المستشفيات، وأخيراً في هيئة المياه التي أثبتت فشلها للمرة المليون، ودونكم ما يحدث منذ فترة في أماكن مختلفة من العاصمة، رجع خلالها الأهالي إلى شراء المياه بعربات (الكارو) والبراميل، بعد أن توقفت الحنفيات دون مبررات أو أسباب واضحة، وأضحت أجزاء من الخرطوم، رغم وجود النيل، تعاني من العطش، ويعاني أهلها الأمرين من أجل الحصول على جرعة مياه تعينهم على ابتلاع المرارات وهضم الأزمات المتكورة بداخلهم. والغريب في الموضوع أن الهيئة، رغم مرور هذه الأيام، لم أسمعها تكلف نفسها بإصدار بيان توضح فيه أسباب القطوعات، لأن الموضوع – ربما – حسب رؤية المسؤولين فيها (عادي)، وليمت ذاك الرجل عطشاً أو يتجرع الآخر مياها ممتلئة بالطين!!
{ الآن يمر الأسبوع التاني والمياه في العاصمة ممتلئة بالطمي للدرجة التي بتنا نخشى فيها الاستحمام بها، دعك من الوضوء وتناولها للارتواء.. والصمت سيد للمكان والزمان، مما يعني أن هناك خطراً مصدره قلة ربما أرادوا أن يقضوا على حياتنا واحداً تلو الآخر، لأن الإمكانيات المحدود للأغلبية من الأهالي لا تمكنهم من شراء (مياه الصحة) أو تركيب (فلترات) تعينهم على معالجة الأوضاع المتقلبة في إدارة الهيئة الحاضرة الغائبة.
{ ملايين الجنيهات والدولارات تصرف في هذه الهيئة، بالإضافة إلى الفواتير التي تتحصل عليها قهراً من خلال دمجها مع فاتورة الكهرباء، والحال في حاله، فهل الهم الأكبر تكنيز هذه الأموال من أجل صرفها في أوجه أخرى بعيدة عن المواطن المسكين المشارك في جمعها من خلال الضرائب والجمارك والقيمة المضافة وغيرها؟!
وعليه فإن الصيحة لا بد أن تكون أكبر هذه المرة لانتزاع حقوقنا البسيطة وإرغام المسؤولين على تقديم اعتذار للشعب السوداني وإيجاد حلول عاجلة لهذه المشكلة التي صارت أزمة حقيقية ومنفذاً جديداً للأمراض التي ستقضي علينا إن استمرت الأوضاع لأيام قادمات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية