الحلفاء القادمين!!
{ الخلافة قضية سياسية وليست أصلاً في الدين، وحينما اختار سيدنا “عمر بن الخطاب” لجنة التحكيم لاختيار خليفته ضمت عضويتها القرشيين فقط. وأسندت لصهيب رضي الله عنه الإمامة الصغرى ليصلي بالناس حتى تنهي الشورى أعمالها، وأمر سيدنا “عمر” بجز عنق من يخالف رأي الجماعة درءاً للفتنة، وكانت له اجتهادات سياسية في توطين أركان الدولة الإسلامية.
{ ومنذ تلك السنوات فتن المسلمون بالسلطة وحفت كراسي الإمارة والخلافة بالدماء والسجون والمعتقلات، وحتى اليوم لا يعرف العالم الإسلامي تبادلاً سلمياً للسلطة مثلما استنبط الغرب من الموروثات الدينية والنظريات الاقتصادية (الديمقراطية الغربية) التي نجحت في حل معضلة الحكم وتبادله.
وأورثتنا في العالم الثالث الانقلابات العسكرية والممالك السلطانية أنظمة حكم مختلفة عن العصر الحديث يحتكر فيها الملك البلاد ويتحكم الأمير في رقاب العباد ويمشي الجنرال على جثث الشعوب التي تطحنها الأزمات.
{ والعالم الإسلامي اليوم يعج بأنظمة قمعية تدعي لنفسها قداسة إلهية وتفويض رباني، ولكنها تمارس كل أنواع الإرهاب والتعسف في استخدام السلطة باستثناءات قليلة في إيران حيث ديمقراطية (الأجنحة)، وفي باكستان حيث الصراع بين العسكر والليبراليين، وأخيراً خرجت تونس ومصر من عباءة السلاطين لحقبة الجماهير.. بيد أن التجربة الليبية تعثرت وتخبط الشكوك بمستقبلها.. بينما في مصر أخذ الصراع يتصاعد ويهدد بانقلاب عسكري إذا لم يدرك الإسلاميون واقع دولتهم وتحالفات (الأضداد) الذين يتربصون بالحكم ويجهرون بالرغبة في الإطاحة بمرسي وحكومته مثلما وئدت نتائج الانتخابات الجزائرية في التسعينيات حينما اقترب الإسلاميون من الوصول للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، ولا يعد السودان بكل أسف مثالاً يحتذي وتجربة يقتدى بها إلا حينما تضرب الأمثال (السيئة) نظراً لحصاد التجربة البائس سواء على صعيد إرساء قيم العدل وطهارة الحكم، أو من جهة الحفاظ حتى على وحدة البلاد.. حيث كتب في سجل التاريخ انقسام السودان لدولتين كحصاد مُر لتجربة الإسلاميين.
ويمضي السودان بكل أسف على طريق الأنظمة المتخلفة عن العصر بإصرار قادته على التمسك غير العقلاني بفكرة القوة التي تحمي الإسلام ولا تحدثهم أنفسهم عن تجربة الخليفة “عمر” الذي ينام تحت ظل شجرة تتساقط أوراقها على ثيابه، والرئيس “عمر البشير” حينما يتحدث صادقاً برغبته في التنحي عن السلطة، لا ينهض بأعباء الإمارة والخلافة رجل مما يضطره للقبول مرة أخرى بدورة رئاسية تنتهي عام 2020، وحينها يبلغ حكمه (31) عاماً ليدخل سجلات التاريخ ضمن الحكام الأكثر (إقامة) في كراسي السلطة.
وإذا كان ثمة عُسر واضطراب واختلاف في الخلافة الكبيرة، فإن الخلافة الصغيرة على مستوى الولايات تواجه محنة حقيقية، وحينما غيب الموت “فتحي خليل” في الشمالية فشلت النخبة الحاكمة في الاتفاق على خليفته.. فهل قضية الخلافة في الدولة الإسلامية بهذا التعقيد تحتاج لفتاوى جديدة واجتهاد بعد أن اقتنع كثير من المسلمين بفتاوى أئمة السلطة بفساد الديمقراطية كتجربة إنسانية وفشلها في تحقيق رغبات الشعوب وتطلعاتها؟.