زكام "زاكي الدين"..!!
{ أغرت الطريقة التي حلت بها الأزمة الخانقة التي تعرضت لها بورتسودان الشهر الماضي والعقلانية التي تحلى بها النائب الأول لرئيس الجمهورية “علي عثمان محمد طه” في (تنفيس) الاحتقان الشديد للبحر الأحمر بالاعتراف أولاً بأزمة وشح المياه، وتم اتخاذ تدابير عاجلة بدفع مبلغ مليون دولار و(2) مليار جنيه سوداني حتى تشرب المدينة مياهاً عذبة، واتخذ قراراً بتنفيذ مشروع نقل مياه النيل من عطبرة إلى بورتسودان رغم الرأي الفني الذي يضع المشروع كأولوية ثانية بعد مشروعات السدود.. أغرت الحلول والمكاسب التي حصلت عليها بورتسودان (أختها) مدينة الأبيض لترفع صوتها عالياً بعد أن جفت صنابير المياه وبلغ سعر برميل المياه (15) جنيهاً، أي (2) دولار أمريكي، وهو ما يعادل سعر برميل الجازولين في دولة الكويت والعراق، ونهضت تعبئة شعبية في الأبيض للتوقيع على مذكرة مليونية ترفع لرئيس الجمهورية لينظر في مشكلات ولاية لم تجد حظها طوال (23) عاماً من مشروع تنموي قومي واحد، وتدحرجت لأسفل المدن، وأضحت الأبيض كاليتيم في عام الجوع والمسغبة..
{ ولكن بورتسودان التي أصغى المركز لصرختها وأنينها حتى خرجت الدولارات من خزائن “علي محمود”، تملك مجلساً تشريعياً لا يخاف السلطة، وقد جهرت نائبة برلمانية بصوت مرتفع مهددة الحكومة المركزية، ولم يقمع الوالي “إيلا” صوت النائبة بذريعة الانضباط الحزبي، ولم يقتل القضية في دهاليز المؤتمر الوطني، ولم يطلق يد السلطات لتوقيف بعض الناشطين في الاحتجاج على تردي الخدمات.. والأبيض يتيمة، لا تملك مجلساً تشريعياً يرفع صوته عالياً فوق صوت الحزب الذي جاء بالنواب، ومن غير “مهدي أكرت” و”أبو كلابيش” من نواب شمال كردفان يجهر بالحقيقة في وجه السلطان وعاصمة ولايات كردفان تموت عطشاً في فصل (الرشاش)، وحكومة ولاية شمال كردفان لا خيل عندها تهديها ولا مال ولا تستطيع فعل شيء لمشكلة أكبر من إمكانياتها.
{ مياه الأبيض أزمة تطاولت، وحينما تمسك الوالي السابق د. “فيصل حسن إبراهيم” بحلها عن طريق مياه النيل تم إبعاده بمؤامرة تم تدبيرها في جنح الليل، ليذهب “فيصل” وتبقى مشكلة مياه الأبيض تنتظر الحل من الحكومة المركزية التي أقامت في كل ولاية مشروعاً قومياً أنفقت عليه مليارات الدولارات إلا شمال كردفان، نصيبها من المشروعات القومية صفر كبير.. حتى طريق (بارا – أم درمان) بعد أن وضع النائب الأول حجر أساسه قبل أعوام تم تجاهله وغمره النسيان.. وجفت دموع النائب “مهدي أكرت” في المقل، لكن مياه مدينة الأبيض آخذة في التفاقم يوماً بعد الآخر.. وقد شهدت المدينة في اليومين الماضيين نشاطاً مدنياً لأبناء المدينة للتوقيع على مذكرة لرئيس الجمهورية، وبدل أن تجد الخطوة التشجيع والدعم من حكومة الناظر “زاكي الدين” تمت ملاحقة الشباب في محاولة لقمع أي صوت شعبي رافض للواقع الراهن دون حساب لما يترتب على المعالجات البوليسية من آثار كارثية في المستقبل، فالذي يكتب مذكرة لمسؤول لا يكتبها إذا كان لا يثق في المسؤول وعدالته، والذي يتبع الوسائل الديمقراطية ينبغي تشجيعه لا قمعه، وتحويله إلى عدو بدلاً عن مشفق متطلع لغدٍ أفضل!!