الديوان

(دومة الكوقلي) الشهيرة بالجريف.. وداع لأعرق معلم أثري في المنطقة

ودع أهالي الجريف غرب بالحسرة وكثير من الدموع أحد أشهر معالم المنطقة التي ارتبط بها الأهالي في أفراحهم وأتراحهم بعد أن سقطت (دومة الكوقلي) العتيقة وماتت وانفصلت عروقها عن الأرض بعد أن غذتها مياهها كثيراً وغذت هي الأخرى الحياة بالجريف، التي يمتد عمرها إلى مائة وخمسين عاماً وكانت شاهدة على كل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.. وهي (الدومة) التي جلس على ظلها الراحل “محمد أحمد المحجوب” وأعضاء قيادة مجلس ثورة مايو والإمام “الصادق المهدي” وكثير من الزعماء والسياسيين.
(الدومة) تكتسب أهميتها كونها الأقدم كمعلم بارز، ويرجع البعض تاريخها لأكثر من مائة وخمسين عاماً. اعتاد الناس رؤويتها من مسافات بعيدة كونها كانت الأطول بين المنازل ذات الأرتفاع العادي، نمت الشجرة في طرف (حوش الشريف) وهو جزء من بيت “الشريف حسب الرسول الكوقلي”، وأهمية (الحوش) والشجرة تنبع من مكانة الرجل في المنطقة وبين أهله، حيث كان قاضياً ومزارعاً وتاجراً كبيراً في سوق الخرطوم، وبجانب كل ذلك كانت له خلوة في طرف بيته، حيث كان يدرس القرآن ويؤم الناس للصلاة إذ لم يكن هناك مسجد قريب للصلاة. (حوش الشريف) حيث نمت (دومة الشريف) وترعرعت عرف باتساعه وجمال شجيراته وأحواض زهوره، وكان يتوسطه ميدان كبير مكسو بالنجيلة. بني ديوان في جزء من مساحة (الحوش) من الطوب الأحمر حوالي عام ١٩٦٠م وكان آية في جماله وطرازه المميز، حيث كانت أبوابه ونوافذه مصممة على طريقة (الآرش) وهو الطراز الإسلامي، تفنن “الشريف” وأولاده من بعده في فرشه بأجمل الكراسي و(الكنبات) وبساط الأرض. خصص (حوش الشريف) لمناسبات عائلته الممتدة، حيث احتضن زواج أولاده الستة وبناته الأربع، وكذلك كل مناسبات الأفراح والأتراح لأهله وجيرانه، كما كانت تقام به ليالي الذكر و(النَوبة). شهدت (الدومة) التي كانت تتصدر (حوش الشريف) ليالي سياسية ولقاءات بكبار رجال الدولة والأحزاب الذين كانوا يزورون “الشريف” وليلتقوا برجالات الجريف.. وللذكر وليس الحصر فقد جلس على ظلها “محمد أحمد المحجوب” و”الصادق المهدي” وعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة أيام “نميري”.
شهدت (الدومة) كل هذه المناسبات فزادت (الحوش) جمالاً وتفرعت منها أربع (دومات)، وكانت تعلق عليها (اللمبات). وارتبطت (الدومة) بوجدان الأجيال كونها ملعباً للصغار وظلاً للكبار. تفنن الناس في خلق الأساطير حول (الدومة)، فمنهم من وصفها بأنها مبروكة وأنها محروسة، وأيضاً شاع أن ثعباناً ضخماً اتخذها مسكناً مع عائلته.
وفجأة سقطت (الدومة)، وتجمع الناس والجيران في حزن واضح وهم يتبارون في سرد ذكرياتهم معها، ويترحمون على صاحب (الدومة) الذي رحل منذ ثلاثين عاماً.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية