ليلة تأبين (عندليب جزيرة توتي) الفنان الراحل "عابدين علي" في ليلة حاشدة
واحدة من اليالي التي احتشدت فيها كل معاني الوفاء، اشترك في تنظيمها مركز توثيق تاريخ توتي ونادي العمال إحياءً لذكري عندليب توتي الفنان الراحل “عابدين علي” الملقب بـ”عابدين عشة” واحتضنتها قاعة الشارقة جامعة الخرطوم التي ضاقت جنباتها بحضور كثيف شكّله أبناء وأهالي مدينة جزيرة توتي والفتيحاب..
عدد من الشخصيات القيادية من أبناء توتي تباروا في الحديث عن الراحل معددين مآثره كونه إنساناً وفناناً عظيماً، أثرى الساحة الفنية بصوته الجميل متغنياً بأروع الأغنيات خاصة ترديده لدرر الحقيبة، وخلال الأمسية التأبينية شارك بالغناء عدد من المطربين مقدمين نماذج من أغنيات الفقيد الخالدة.
والسيرة الإبداعية للمطرب الراحل “عابدين عشة” تقول إنه كان يتمتع بملكة تطريبية نادرة تنعش الإحساس وتحرك الوجدان، بالإضافة إلى حضور فني باهر يجبرك على الانتباه وطريقة أداء مدهشة يتفاعل معها الجميع، أما سيرته الإنسانية فهي تحكي عن جمعه لكل صفات النبل والخلق القويم والذوق الرفيع والشهامة والكرم وطيب المعشر، الذين عاصروه وعاشروه قالوا إنه وهب حياته للآخرين وكان زاهداً لا يحب الظهور في الأجهزة الإعلامية رغم الفرص التي أتيحت له في الإذاعة السودانية.
الأستاذ “حسين الفضل” تحدث ممثلاً لمركز توثيق توتي ونادي العمال، حصر حديثه في ليلة الوفاء، حيث قال: هذه الليلة التأبينية الخاصة جاءت امتثالاً لقول النبي الكريم “صلى الله عليه وسلم”: (أذكروا محاسن موتاكم)، وأضاف إن الفنان المبدع والإنسان المدهش “عابدين علي” اجتمعت فيه كل المحاسن، فكان فناناً قديراً وإنساناً فريداً، وفقده يعد فقداً لكل قبيلة الفن، وأشار إلى أن سيرته النقية الطاهرة ستبقى بين الناس مخلدة له.
المستشار “أسامة الخير” وهو أحد الذين استطاعوا أن يوثقوا لفنان توتي الراحل في أيامه الأخيرة من خلال جمعه لبعض التسجيلات الغنائية واللقاءات الفنية النادرة التي جمعته بأهله وأصدقائه وزملائه المطريين ومحبي فنه من جزيرة توتي، حيث قام بعرض جانب من الأفلام التوثيقية التي صورها وظهر فيها الراحل وهو يغني بصوته الرخيم أروع وأجمل الأغنيات التي تفاعل معها الحضور.
إحدى المقابلات الصحفية أجراها “أسامة الخير” مع الراحل “عابدين عشة” تشير إلى أنه بدأ الغناء في مطلع الخمسينيات، وشهدت مدينة (نيالا) انطلاقته الغنائية الأولى حيث غنى مع كروان توتي الشهير “التوم حسن” ووقتها كان الغناء دون آلات موسيقية فقط بمصاحبة بعض الآلات الإيقاعية والصفقة. وجاء في المقابلة الصحفية أن الأغاني الأولى التي بدأ في ترديدها كانت هي: (قائد الأسطول) و(ما هو عارف قدمو المفارق) و(عيوني وعيونك) و(يا جافي يا هاجر) و(الشاغلين فؤادي)، كاشفاً عن أن أغلب أغنياته التي كان يحبها ويكثر في ترديدها كانت للشاعر العبقري “سيد عبد العزيز” الذي كانت تربطه به علاقة صداقة قوية فكان يأتيه في توتي ويرد له الزيارة في أم درمان. واستطاع “أسامة الخير” أن يسجل (46) حلقة متكاملة لـ”عابدين عشة” رغم رفضه الأضواء.
الطبيب والشاعر “عماد الفضل” تناول في حديثه عن الفنان الراحل “عابدين” قصة حرصه على ترديد أغنية (سيدة وجمالها فريد خلقوها زي ما تريد) لأنه كان يعلم أن جمهوره وعشاق فنه كانوا ينتظرون سماعها بصوته وطريقته الأدائية التي كان يطرب لها الجميع في فترة السبعينيات، وأكد أن أبناء توتي كانوا يحرصون على الذهاب إلى أي مكان كان يتغنى فيه “عابدين”.
ومن بين المطربين الذين شاركوا في ترديد أغاني الفنان الراحل المقيم كان الفنان الشعبي “عبد الوكيل أبيض” (فردة ثنائي الفتيحاب)، الذي قدم وصلة غنائية بصحبة فرقته الشعبية الرائعة، ومن الشباب شارك “الحارث حمد الريح” نجل المطرب القامة ابن توتي “حمد الريح”، بالإضافة إلى عدد من مطربي توتي من الذين رافقوا الراحل في فرقته الموسيقية، وجميع المشاركات نالت الإعجاب والتفاعل، وقضى الجميع لحظات رائعة مع الغناء الأصيل والموسيقى الساحرة.
وفي الختام، أعلن مركز توثيق تاريخ توتي عن بثه لكل تسجيلات الراحل خلال شهر رمضان التي وثقها “أسامة الخير” وقدمها د. “الصادق عمر الصديق” ابن توتي المهتم بكل شؤونها الثقافية والاجتماعية والتاريخية.