الكلمة الطيبة هل أصبحت جواز سفر غير ساري المفعول؟!
دائماً ما يقولون عن الكلمة إنها جواز سفر وذلك لأنها تعبر كل الحواجز وتخترق القلوب وتستقر في الدواخل وتفعل مفعول السحر في النفوس وتأثر المسامع وتنعش الروح وتزيل الهواجس وتهزم التوجس، ومن خلالها يظهر طيب النوايا وحسنها وتقترب المسافات بين الناس بمختلف ألوانهم وسحناتهم ومللهم وميولهم، والله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، فالكلمة الطيبة تأخذك بعيداً عن الغل والحسد وتحملك عبر بساط الصفاء النفسي بخلاف تلك الخبيثة التي تعكر صفو النفوس وتولد المشاحنات، والكلمات الخبيثة دائماً ما تخرج من نافخ الكير الذي ينفث بسمومه فيحيل الألفة والطيبة والمحنة إلى رماد تزروه أقل نسمة هواء سواء أكانت مجلوة أو معفرة. (المجهر) أجرت استطلاعاً وسط عينة من الشباب والشابات أرادت من خلاله أن تغوص في عمق المفردات بحثاً عن قيمة ومدلول الكلمة الطيبة.
الكل ضاق صدره
في ظل الظروف (الطقس والاقتصاد ) المعاشة الآن في واقع السودان انعدمت الكلمة الطيبة وحلت مكانها عبارات الغاضبة والمنفرة، فالكل أصبح يضيق صدره لا يحتمل الآخر هذا ما قالته الطالبة “رناد الطيب” وأضافت لا أدري لماذا تغير الشعب السوداني عن صفاته الجميلة التي كانت تحمل كل معاني التسامح والتعامل الراقي، وأشارت إلى وجود عدد قليل من الناس الذين يتمتعون بأخلاق رفيعة، وأضافت إذا كنت تمضي في الطريق و(ضربت) شخصاً دون قصد (هات يا شتائم) وكل ما تسرف في تقديم الاعتذارات تسمع كلاماً يجرح شعورك وما يريح ضميرك.
تزرع الورود تحصد الأشواك
إلى ذلك قالت المهندسة “فاطمة الأمين” إن الكلمة الطيبة ولى عهدها وأصبحنا (منتظرين) السوانح والفرص التي تطل فيها عبارات عابرة مفعمة بالحلاوة والجمال، وأضافت في هذا الزمان القاسي كل ما تزرع الورود في طريق من تتعامل معهم وتنتظر أن يرتد إليك منهم شيئاً من طيب الكلام لكنك تفاجأ بالعكس لا تحصد غير الأشواك، مشيرة إلى أن الكلمة الطيبة أصبحت جواز سفر غير ساري المفعول.
الدنيا ما زالت بخير
ومن جهته قال “محمد الطيب برير”، إن الكلمة في حد ذاتها مفتاح البدايات في علاقات طيبة مع أناس لا يمتون إليك بصلة، وأضاف الكلمة الطيبة والتعامل الراقي دائماً ما يجمعاني بأشخاص التقيتهم في (شارع الله أكبر)، فتمتد علاقتي بهم حتى تصل للأسر، وأضاف رغم الظروف الصعبة ولكن الدنيا مازالت بخيرها، ومشاغل الحياة هي التي تتحكم في أمزجة البشر، وقلوبهم نظيفة ليس بها أي نوع من سوء النية، وأشار إلى أن الكلمة يمكن أن تكون بداية ونهاية للعلاقات الإنسانية.
موجودة في الأغاني وغير موجودة في الواقع
ومن ناحية أخرى قال “مهند حامد”: (نسينا) كيفية التعامل السليم وأهملنا الكلمات الطيبات واستبدلناها بأخرى لا تليق بنا كشعب سوداني ورث الأخلاق عن أجداده وعرفه العالم بطيبته وكرمه الفياض، وأضاف الكلمة الطيبة صرنا نسمعها فقط في الأغاني وقصائد الشعر مثل رائعة الفنان الراحل “صلاح مصطفى ” والتي تقول (قال لي كلمة طيبة كانت منو حلوة ومين غيرو البيزرع أيام عمري جنة)، والكلمة الطيبة على أيامنا هذه غير موجودة في الواقع وفقدناها في اللحظة التي فقدنا فيها التسامح والخلق الرفيع.
لغة أهل الجنة
إلى ذلك قال الرائد م “فرح عوض الطيب” إن الكلمة هي لغة أهل الجنة (ادخلوها بسلام آمنين) هي طيبة الطيبة وهي صدقة جارية وهي باب السلام وهي دار السلام، وأصبحت عملة نادرة في كثير من الأحيان حتى بين أقرب الصلات، وأشار إلى أن بعض الكلمات تعكر صفو العلاقات الثنائية سواء أكانت مجتمعية أو أممية والأمثلة كثيرة والأسباب متعددة أبرزها الظروف الاقتصادية.
شيمة السوداني
أشارت “انتصار أحمد” ربة منزل إلى أن الكلمة الطيبة شيمة من شيم السوداني تميز بها إلى جانب الكرم، ولكن بعد دخول القنوات الفضائية والانفتاح على العالم وخلوه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة مع سخونة الطقس طرأت على بعضهم الأخلاق غير السوية (ضيق الصدر)،
ومن أهم عوامل انعدام الكلمة الطيبة التربية غير السليمة داخل الأسرة الممتدة، وأضافت الحمد لله هناك بعض الناس لم يفقدوا ذاك التعامل الجيد والراقي لأنهم لا يتأثرون بعوامل الظروف.