الاعمدةرأي

المهندس عمر البكري أبو حراز يكتب : النظام الرئاسي مخرج السودان الآمن

مهندس: عمر البكري أبو حراز

أعود مرة أخرى داعياً إلى إعادة النظر في طريقة حكم السودان والتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. عندما تحدثت عن ضرورة حكم السودان رئاسياً، انتقد البعض الدعوة على أساس تجربتي حكم رئاسي في السودان مرتين، فشلتا وسقطتا بثورتين شعبيتين- المرتان هما رئاسة المشير نميري ورئاسة المشير البشير، أقول أن النظامين سقطا لأنهما كانا نظامين رئاسيين غير ديمقراطيين- الأول كان حكماً رئاسياً دكتاتورياً عسكرياً، والثاني حكماً رئاسياً دكتاتورياً آيدلوجياً- كانت الإنتخابات فيهما مسخاً مشوهاً للديمقراطية، لذلك وجه المقارنة بين ما أدعو له وبين التجربتين منعدم تماماً.
لتقريب الصورة ودعم فكرتي أسوق تجربتين لدولتين تشابهت طرق الحكم فيهما مع ظروف السودان، الأولى الهند والثانية كينيا في الثلاث دول السودان والهند وكينيا. كان الحكم الوطني فيها بعد سنوات طويلة من حكم الإستعمار البريطاني. في كل من الهند وكينيا استمر الحكم الوطني منذ الإستقلال حتى اليوم دون أن يحدث انقلاب وحكم دكتاتوري عسكري.
نالت الهند استقلالها وأصبحت دولة ذات سيادة في 26/1/1950 تم حكم الهند منذ الإستقلال حتى الآن بنظام برلماني ناجح- نجح الحكم البرلماني في الهند بسبب قيادات تاريخية كارزمية- قادت النضال ضد الاستعمار جعلت الغالبية العظمى من مواطني الهند يلتفون حولها ودعمها، لأنها كانت قيادات وطنية متجردة نظيفة الأيادي ونجح لأن بروز مثل هذه القيادات أدى إلى أن تكون الأحزاب السياسية قليلة العدد- الحزب الأكبر على الإطلاق كان حزب المؤتمر الهندي، وكان يمثل اليسار المعتدل والحزب الثاني في الترتيب حزب بهاراتيا اليميني، إضافة إلى أربعة أحزاب أخرى يغلب عليها الجانب العنصري القبلي. حزب المؤتمر الهندي كان بزعامة نهرو الذي تتلمذ على المفكر العظيم المهاتما غاندي منذ العام 1950م وحتى 1980م (ثلاثون عاماً كان حزب المؤتمر الهندي يحرز الأغلبية العظمى المريحة في البرلمان). توفي نهرو في العام 1964م خلفته إبنته أنديرا غاندي والتي أغتيلت عام 1984م بواسطة أحد حراسها من السيخ خلفها إبنها راجيف غاندي والذي أغتالته شابة انتحارية من التاميل (الذين يطالبون بالإنفصال عن الهند) عام 1991.
لذلك بروز قيادات كارزمية وطنية مخلصة في حكم الهند منذ الإستقلال عام 1950م أمثال نهرو، وأنديرا غاندي، وراجيف غاندي أدى إلى نجاح الحكم البرلماني ونهضة الهند، حتى صارت الآن من أقوى الدول الصناعية والزراعية في العالم.
المثال الثاني نظام حكم رئاسي في كينيا والتي لم تشهد انقلاباً وحكماً عسكرياً منذ استقلالها في 12 ديسمبر 1964م، بعد حكم ذاتي من 12 ديسمبر 1963م حتى 12 ديسمبر 1964. بريطانيا حكمت كينيا منذ 1888م حتى 1963م، منح البريطانيون الإستقلال لكينيا بعد نضال شعبي كبير كانت أعظمه ثورة الماو ماو من 1952 حتى 1959م تحت قيادة جيش الأرض والحرية الكيني (KLFA- Kenya Land and Freedom Army) قاده القائد الأفريقي العظيم وقائد الثورة ضد الإستعمار جومو كنياتا وأسس حزبه (KANU) (Kenya African National Union) (الحزب الوطني الأفريقي الكبير)، وأصبح أول رئيس جمهورية في 12 ديسمبر 1964م حتى وفاته في 1978م، خلفه الرئيس دانيال أراب موي الذي حكم منذ 1978 حتى 2002م، بعده جاء الرئيس الكيني الثالث كيباكي منذ 2002 حتى 2013م بعده الرئيس الرابع لكينيا أوهيرو كينياتا من 19 أبريل 2013 حتى الآن.
كينيا تشابه السودان في كثير من الأوجه- عدد سكانها حوالي 55 مليون بها قبليات متعددة مثل السودان، نجح الحكم الرئاسي فيها إذ أنه منذ استقلالها في العام 1964م حتى الآن أي حوالي 58 عاماً تعاقب على حكم كينيا (4) رؤساء فقط، وأصبح نظام الحكم فيها مستقراً في ظل تنمية مستمرة في ناتج قومي عام 2020 بلغ 250 مليار دولار، معدل التضخم في 2019 كان 5% فقط، الصادرات في 2019 كانت حوالي 12 مليار دولار.
مما تقدم ذكره من هذين المثالين يمكن أن نقرر ما هو نظام الحكم الأنسب للسودان- في الهند نجح النظام البرلماني كما ذكرنا بسبب حكم شخصيات تاريخية وطنية عالية التأهيل ومؤثرة عاطفياً على الشعب الهندي، لم ينساق فيها أولئك الحكام وراء أي آيدلوجيات أو تأثيرات إقليمية دولية، بل قاد الرئيس الهندي العظيم نهرو دول العالم إلى إنشاء منظمة دول عدم الإنحياز، كل ذلك أدى إلى انحسار التشظي في أحزاب عقائدية أو قبلية تحجب النظرة القومية الشاملة المتجردة، وتقود إلى تجمعات وأحزاب فاقت المائة حزب في السودان أدت إلى فشل ذريع في حكم السودان البرلماني، وقيام ثلاثة إنقلابات عسكرية حكمت لمدة 52 عاماً من 66 عاماً من الحكم الوطني- 52 عاماً من كبت الحريات وانعدام التنمية والقهر والظلم غير المسبوق- خاصة في حكم الإنقاذ (30 عاماً) وتوقف التنمية والتأرجح بين المحاور الدولية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فهل نسعى ونقود السودان إلى انتخابات فاشلة تعيد نفس الأحزاب التقليدية الطائفية والآيدلوجية وتعيد السودان بعد حكم هش إلى انقلاب عسكري دكتاتوري؟ لماذا نصر على إعادة تجارب فاشلة في الحكم البرلماني الذي يقود ويفعل الدائرة الخبيثة بين الحكم البرلماني القصير والحكم العسكري الطويل؟.
النظام الرئاسي في السودان قطعاً سوف يخرج قيادات وطنية كارزمية قوية، تعيد البلاد إلى الإستقرار وتفجير طاقات وثروات السودان الهائلة.
النظام الرئاسي سوف يقود إلى إزالة تشوهات تشظي الأحزاب وتكاثرها لأسباب شخصية ومصالح ذاتية، إذ ستجبر هذا الكم الهائل من الأحزاب إلى التجمع في تكتلات ثلاثة على الأكثر، حول شخصيات قوية مقنعة مؤمنة بالتجرد والنزاهة وملزمة ببرامج سياسية واقتصادية واجتماعية يجتمع حولها المؤيدون.
النظام الرئاسي في الحكم دائماً يكون محكوماً بمجالس تشريعية قوية تراقب أداء الرئيس المنتخب، في السلوك الديمقراطي والإلتزام بمبادئ ومواد دستور وطني يؤمن الحريات والعدالة والمساواة.
أهم أركان النظام الرئاسي استقلال القضاء التام عن الرئاسة مما يحقق شعارات الحرية والعدالة والمساواة.
يجب أن نخرج إلى الأبد من تجارب الحكم البرلماني الذي سجل فشلاً ذريعاً ، وندخل في تجربة الحكم الرئاسي التي تفرز قيادات تاريخية وطنية متجردة تحكم لفترتين فقط، مثل أمريكا لتتيح المجال لشخصية أخرى تحمل أفكاراً مواكبة لإيقاعات التطور الدولي المتسارعة.
تذكير أخير إن تجربتي حكم نميري والبشير كانتا مسخاً مشوهاً للحكم الرئاسي الديمقراطي لا يعتد بهما وليس لهما وجه مقارنة لما أدعو له من حكم رئاسي ديمقراطي كامل الدسم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية