(المجهر) تنشر نص بيان مدعي المحكمة الجنائية الدولية: الأدلة ضد البشير وعبدالرحيم غير كافية
نيويورك – وكالات
أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية “كريم خان” في بيانه أمام مجلس الأمن الدولي أن الأدلة في التهم الموجهة إلى الرئيس السوداني السابق “عمر البشير” و وزير دفاعه “عبدالرحيم محمد حسين” غير كافية وتحتاج إلى تعزيز ، فيما أوضح أن دعوى “علي كوشيب” تتوفر لها الأدلة ، فيما يلي نص البيان :
بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أ. أ. خان ، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الحالة في دارفور، عملا بقرار مجلس الأمن 1593 (2005)
سيدتي الرئيسة، أصحاب السعادة،
أعضاء المجلس الكرام،
1. أود، بادئ ذي بدء، أن أهنئ النرويج على رئاستها للمجلس هذا الشهر. وإنه لشرف حقيقي أن تتاح لي الفرصة في هذا العام الجديد لتقديم التقرير الرابع والثلاثين للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بحالة دارفور في السودان، عملا بالقرار 1593 الذي اعتمده المجلس بالطبع في عام 2005. وعلى الرغم من قيود جائحة كوفيد وارتداء الأقنعة، فإن من الرائع حتى مع هذه القيود الحضور هنا شخصيًا.
التقرير الرابع والثلاثون:
2. وأود، لو سمحتم سيدتي الرئيسة، أن أبدأ بالتذكير بما قلته في لقائي بالناجين والمجني عليهم من دارفور، عندما كنت في الخرطوم في 17آب/أغسطس من السنة الماضية. فقد عقدت اجتماعا مع المجتمع المدني في دارفور. وما فتئ العديد من الأفراد يكافحون منذ ما يقرب من عقدين من أجل شيء يفترض أن يكون بسيطًا ولكنه يبدو معقدًا للغاية، ألا وهو إحقاق العدالة، وقدر من المساءلة التي تؤكد أن لكل حياة أهمية. ولقد كافحوا وأبانوا عن مثابرة فيما يتعلق بالجرائم التي طبعت للأسف جيلاً على الأقل من الرجال والنساء والأطفال. وكانت تلك المعاناة هي التي دفعت هذا المجلس إلى استخدام سلطاته بموجب الفصل السابع في عام 2005 وإلى إحالة الحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية. وإني أشاطر هؤلاء الناجين مشاعر إحباطهم ونفاد صبرهم كما أشاطرهم آمالهم في أن تؤتي أُكلها تلك اللحظة الفريدة، المتمثلة في أول إحالة من المجلس إلى المحكمة الجنائية الدولية. وما هذه بتوقعات غير معقولة، فالأمر يفترض ببساطة أن يكون هناك قدر من العدالة.
3. ولقد أبان المجني عليهم والناجون وأهالي دارفور عن هذا الإصرار، لكن من المهم، كما قلت خلال اتصالاتي مع أعضاء الحكومة السودانية، ألا تكون هذه الإحالة قصة لا تنتهي أبدًا. ولا يمكن أن تكون كذلك. ونحن الآن على مشارف منتصف العمر: وقد قدمنا 34 تقريرا. ويلزمنا جميعا – مكتبي بالطبع، بل وهذا المجلس أيضًا – أن نقوم بعمل أفضل حرصا على أن يكون الوعد والغرض من الإحالة مقترنين بإجراءات ملموسة. وثمة بوادر أمل، إذ ما فتئ يحرز تقدم رغم الصعوبات المتبقية. ففي تموز/يوليه من السنة الفارطة، تم اعتماد جميع التهم الإحدى والثلاثين المتعلقة بزعيم الجنجويد السيء السمعة، علي كشيب، وتم تحديد تاريخ 5 نيسان/أبريل من هذه السنة للشروع في المحاكمة. وتشمل التهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل عمد واغتصاب وتعذيب وهجمات ضد السكان المدنيين في وادي صالح ومكجر. وهذه لحظة مهمة. وهذه السنة، وبعد فترة لا تتعدى ثلاثة أشهر من الآن، سيُشرع في الوفاء بوعد المجلس فعلا من خلال الادعاءات التي قدمها المكتب، والتي يجري عرضها على قضاة مستقلين ونزهاء.
4. وفي نفس الوقت، لا تخلو التوعية من أهمية. وآمل أيضًا العمل مع قلم المحكمة للتأكد من وجود برنامج توعية منظم وفعال حتى يتمكن السودانيون في السودان أو في دارفور أو خارجها من متابعة الإجراءات لأن لهم الحق في معرفة ما حدث، ولديهم الحق في رؤية الحقيقة. لكن دعوى علي كوشيب ليست إلا دعوى واحدة؛ وهناك بالطبع أربعة أوامر بالقبض معلقة في: الدعوى المرفوعة ضد الرئيس السابق عمر البشير؛ والدعوى المرفوعة ضد وزير الداخلية السابق عبد الرحيم محمد حسين؛ ووالي جنوب كردفان السابق أحمد هارون؛ والدعوى المرفوعة ضد قائد المتمردين السابق في حركة العدل والمساواة عبد الله باندا. وفيما يتعلق بعبد الله باندا، تنحيت عن تلك الدعوى ويشرف على تلك الدعوى نائب المدعي العام مباشرة.
5. ويجدر بالإشارة، كما قلت فيما يتعلق بإحاطتي الإعلامية بشأن ليبيا في كانون الأول/ديسمبر، أنني أرغب خلال فترة ولايتي في إعطاء الأولوية للحالات التي أحالها المجلس. وبدأت ذلك في حالة السودان بإجراء استعراض للأدلة للنظر في قوة تلك الدعاوى. كما عملت على ضمان توفير موارد إضافية في هذه الحالة حتى نكون أكثر فعالية، كما نرجو. لكن الحقيقة هي: أنه لعدة أسباب على مدى السنوات السبع عشرة الماضية، بما في ذلك عدم تعاون حكومة السودان مع الإدارات السابقة، لم تكن هناك تحقيقات ميدانية في البلد. وجمدت سالفتي لفترة طويلة هذه الحالة حتى أن التحقيقات لم تنضج. ونتيجة لذلك، أدركت أن الأدلة ضد السيد البشير والسيد حسين على وجه الخصوص بحاجة إلى تعزيز. وأنا راضٍ عن قوة الأدلة فيما يتعلق بعلي كشيب ولكن فيما يتعلق بهاتين الدعويين اللتين ذكرتهما، يلزمنا الحرص على أن نعمل بشكل أفضل. وهذا ما يتطلب تعاون السودان. ويتطلب مساعدة من السودان كما يتطلب أيضا تعاونًا ومؤازرة من أعضاء هذا المجلس والدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
6. وفي مجال الأدلة، وفرتُ المزيد من الموارد للفريق، وانتدبتُ المزيد من المحققين للدعوى، كما انتدبت أشخاصا يتمتعون بمهارات اللغة العربية أيضًا. وفورًا في آب/أغسطس، بعد شهرين من بدء فترة ولايتي، ذهبت إلى السودان للتحدث إلى الحكومة، مدركًا أهمية التعاون. وقد أسفر ذلك عن نتائج ملموسة، لأننا للمرة الأولى أبرمنا مذكرة تفاهم، ليس فقط فيما يتعلق بعلي كشيب، ولكن فيما يتعلق بجميع الدعاوى الأربع التي أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أوامر قبض بشأنها. وعينت أيضا مستشارة خاصة تعمل دون مقابل، وهي السيدة أمل كلوني، للتركيز حصرا على حالة دارفور حتى نتمكن من التحرك معا والتعاون بقدر أكبر. ومرة أخرى، هذا دليل على نيتي في ألا أكتفي بالقول إنني أعطي الأولوية لإحالات مجلس الأمن بل إنني أحرصُ على توفير الموارد المطلوبة لتلك الدعوى.
7. وخلال رحلتي إلى الخرطوم في آب/أغسطس، عقدنا بعض الاجتماعات البناءة. والتقيت باللواء البرهان من مجلس السيادة، ثم رئيس الوزراء حمدوك ووزيرة الخارجية ووزير العدل. كما التقينا أيضا الممثل الخاص للأمين العام للسودان ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتقديم المساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان، فولكر بيرثيس، وأعضاء من المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد، أكدت أيضًا على نهج جديد مفاده أنه: ليس المهم هو مكان المحاكمة أو حتى محكمة الفصل في الدعوى – وهذا هو الشيء الجميل في القانون، لأن هناك العديد من الحلول المختلفة لمشكلة أساسية واحدة. بل المهم هو التحقيقات المستقلة والنزيهة، والمحاكمات المستقلة والنزيهة، ومن ثم فإن المهم هو سيادة القانون التي ينبغي أن تنتصر حتى يتمكن المجني عليهم من تجاوز الأمر، مدركين أنه تم بذل كل شيء في السعي إلى ضمان العدالة. وأكدت لأعضاء الحكومة أنني سأكون على استعداد لاستخدام المجموعة الكاملة من الخيارات المتشابكة في نظام روما الأساسي سعيا إلى أن نتمكن من العمل معًا ونقيم روابط أفضل لإغلاق هذا الفصل. لكن المسألة البسيطة المطروحة هي: إنه إذا لم نعجل التعاون بين حكومة السودان ومكتبي، فستظل التحقيقات متواصلة.
8. وإذا أردنا رسم خريطة طريق لإنجاز هذه الحالة بالطريقة التي أعتقد أن المجلس يريدها، والتي يريدها المجني عليهم، فإن السبيل إلى ذلك هو التعجيل، وضخ المزيد من التعاون والمساعدة داخل المكتب. وإذا تم ذلك، فإنني أعتقد أنه سيكون بإمكاننا المضي قدمًا بطريقة فعالة.
9. وفي 25 تشرين الأول/أكتوبر، تغير المشهد بالطبع، ولم يكن ذلك مفيدًا بشكل خاص. ففي اجتماعاتي في آب/أغسطس، لم يتم التوقيع على مذكرة التفاهم فحسب، بل كانت هناك التزامات من جانب الحكومة بالتوقيع على نظام روما الأساسي، وكانت هناك التزامات بالعمل بشكل أوثق مع مكتبي، وكان هناك اتفاق على المساعدة في ضمان وجود ميداني دائم لمكتب المدعي العام في الخرطوم. لكن الفجوة الناتجة عن 25 تشرين الأول/أكتوبر تكمن في أننا فقدنا جهات الاتصال. ونحن نحاول تدارك الأمر. واضطررنا – فعلا، حتى الآن – إلى تعليق التحقيقات الجارية لبضعة أشهر. ولذا كان هذا تحولًا في الأحداث مزعجًا أو مقلقًا للغاية. والجانب الإيجابي في ذلك هو أنه قبل أعياد الميلاد بقليل، ذهب فريقي إلى الخرطوم مرة أخرى. وتحدث أفراده إلى اللواء البرهان وطمأن اللواء البرهان أعضاء مكتبي بأن مذكرة التفاهم لا تزال سارية المفعول، وأنه يبحث في مسألة التعاون وقال، في أكثر من مناسبة لي بشكل مباشر وللفريق في كانون الأول/ديسمبر، إنه من الأساسي تحقيق العدالة للمجني عليهم في دارفور. والتحدي الذي يواجهنا جميعا الآن بشكل جماعي، هو الحرص على ترجمة تلك التأكيدات إلى شراكات ومساءلة ملموسة ومحددة.
10. وهذه مرحلة حساسة بالطبع في عملية الانتقال في السودان، لكنني أود التأكيد مرة أخرى على أن الخيار الوحيد بالنسبة لنا للمضي قدمًا وإغلاق هذه الحالة أو إيجاد طريق نحو الإغلاق هو التعجيل بالتعاون. ولقد ذكرت ذلك يوم الجمعة لممثل السودان الموقر، السفير الباهي. وأكدت أيضا أن هذه القضايا ليست ضد السودان. فالسودان شريك وليس خصما. بل هي قضايا ضد الأفراد الذين تكشف الأدلة عن مسؤوليتهم فيما يتعلق بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. ونحن بحاجة فعلا إلى فرص وصول آمن ومضمون إلى السودان. ونحن بحاجة إلى وصول آمن ومأمون إلى المحفوظات. ويلزمنا أن نكون قادرين على تفقد أماكن القبور الجماعية وأن نكون قادرين على الذهاب إلى جميع أنحاء السودان والعمل بشكل مستقل. وهذا مطلوب ليس فقط بموجب مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في آب/أغسطس من العام الماضي، وليس مطلوبًا فقط بموجب القرار 1593، بل هو مطلوب أيضًا بموجب اتفاقية جوبا للسلام. ولذلك فإن ثمة مستويات ثلاثية من المسؤوليات والالتزامات التي آمل أن يحترمها السودان ويعمل معنا بشكل أوثق.
11. ويكتسي التعاون من خارج السودان أهمية بالغة أيضا، وقد حصلنا على دعم رائع من الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية ومن دول أخرى، بما فيها النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية. والواقع أن هذا مجال لا يمكن أن يكون فيه متفرج سلبي، إن أردنا إغلاق هذا الفصل والسماح للسودان بتجاوزه، وعلينا مساعدة الشعب السوداني للحصول على ما يستحقه، ألا وهي العدالة والخلاص. وآمل أن أعود مرة أخرى إلى السودان في الفترة المقبلة، في الأشهر القليلة المقبلة، وآمل يتم ذلك في قرابة شهر نيسان/أبريل. وقد تلقيت وعودًا بتسهيل ذلك حسبما أرجوه، بما في ذلك الذهاب إلى دارفور والتحدث إلى بعض الناجين والمجني عليهم والنازحين هناك. وأنا مستعد للسعي إلى تسريع العمل في كل الدعاوى المعروضة على المحكمة.
12. وأود، سيدتي الرئيسة، إذا سمحت، أن أتحدث مباشرة إلى أولئك المجني عليهم، لأؤكد خلال فترة ولايتي على التزامنا الراسخ بكفالة احترام نية هذا المجلس التي عبر عنها في القرار التاريخي لعام 2005 والبر بها. وآمل أن يكون بإمكاننا إجراء تحقيقات دقيقة وسليمة لنعرض على القضاة حقيقة الأمر. وفي رأيي، سأكون صريحًا تمامًا بشأن حالة الأدلة، لكنني أيضًا سأكون صريحًا تمامًا بشأن حقيقة واحدة بسيطة هي: أنه ما لم تتحقق العدالة، فإن السودان يواجه خطر أن يوصم دائمًا بماضي سلوكه، وبالأحداث التي أجبرت مجلس الأمن هذا على التصرف في عام 2005 إلى أن تتحقق العدالة. وإذا عملنا معًا، وإذا عملنا في إطار شراكات، بين مكتب المدعي العام، وحكومة السودان، وهذا المجلس، والدول الأعضاء، فإن بإمكاننا إغلاق هذا الفصل. وإذا أغلقنا هذا الفصل، فأني أعتقد أن السودان المتحرر والمتخلص من بعض أعباء الماضي، من خلال ضمان العدالة، ستكون له كل الإمكانيات للقيام بشيء يريده كل عضو في المجلس، وهو كتابة فصل جديد حتى يتمكن من السير نحو مستقبل أفضل وأكثر ازدهارًا وأمانًا. أشكرك كثيرًا على وقتكم وهذا هو تقريري.