أخبار

نحن وهم (2)

{ إذا كان الغرب قد تجاوز حقبة الصراعات الحدودية، وانتفع من خيرات أرضه بكسر القيود وتحطيم الحدود، فإن العلاقة بين (السودانيين) الشمالي والجنوبي اليوم هي المثال لحال دول العالم التي لم تدرك بعد أن الحروب وسيلة مميتة للشعوب ومقعدة للاقتصاد وسبب لانتهاكات حقوق الإنسان!
{ إن العلاقة بين الشمال والجنوب بلغت طريقاً مسدوداً.. فشلت كل محاولات الإصلاح والتفاهم على الحد الأدنى.. وبات الطريق الوحيد أن يذهب أحد النظامين من السلطة! ومثلما استحال العيش في كنف الدولة الواحدة لمشروعين أحدهما (إسلامي) وآخر (علماني) وذهب المشروع العلماني لسبيله بثلث أرض السودان وأسس دولة جنوب السودان وبقي المشروع الإسلامي مسيطراً على ما تبقى من السودان القديم.. فقد بدا جلياً الآن أن الجوار نفسه بين النظامين أصبح مستحيلاً.. فهل نحن مقبلون في الأيام والشهور والسنوات القادمة على حقبة أكثر سواداً مما عاشته بلادنا منذ استقلالها؟ أم سيأتي الفرج بعد عسر ويلطف رب العباد بشعب أخذ كفايته من الموت والتشرد والضياع والفقر والمسغبة والبؤس؟!
{ لقد بذل كثيرون من الحادبين على السودان وعلى المؤتمر الوطني وحكومة الرئيس “البشير” النصح بأن إصلاح العلاقة مع الجنوب في ظل حرب ضروس تتخذ من جبال النوبة والنيل الأزرق مسرحاً لها هي ضرب من الجنوب السياسي، وأن استقرار العلاقة بين الخرطوم وجوبا رهين بشروط أولها إنهاء النزاع في المنطقتين بالتزامن مع إنهاء نظام الحركة الشعبية لنزاعه مع معارضيه من الجبهات المسلحة في إقليمي أعالي النيل والوحدة.. ولكن من بيدهم التقرير في مصائر الشعوب كانت تقديراتهم أن وجود الحصان أمام العربة.. ووضعوا الرهان على رضاعة الجنوب من (بزازة) البترول سبباً لإنهاء علاقته بحركة التمرد الشمالية.. وظن بعض (الغافلين) ممن لا يقرأون دفاتر التاريخ ولا يعتبرون بدروسه العامة أن الجنوب (سيبيع) “عقار” و”الحلو” في قارعة الطريق قبل أن (تبيع) الخرطوم عصافير الجنوب التي بيدها.
{ نحن الآن أمام واقع جديد.. مقبلون على أيام وشهور وسنوات صعبة إلا إذا هبطت على سماء السودان معجزة في زمن انقضت فيه المعجزات، وانقشعت سحب الحرب التي تظلل سماء بلادنا.. دون ذلك علينا تحمل أقدارنا والإقبال على حزم البطون والتقشف والتحسب لأسوأ الاحتمالات.
{ صحيح أن المعارضة البائسة ركبت (سرج) السقوط وأعلنت جهراً عزمها على وضد يدها تحت بندقية الجبهة الثورية.. وشمرت الحكومة ساعدها وقالت للمعارضة (اخرجي) للشارع لنريك بأسنا وقوتنا وبطشنا.. وصحيح الجبهة الثورية أعجبتها حفنة سيارات (اللاندكروزر) التي جاءتها من دبي عبر جوبا.. والشعب المسكين يضع الأيادي على القلوب.. لا خوفاً من الموت فقد مات الملايين منه خلال سنوات الحرب، ولكنه (خائف) على وطن انقسم لدولتين ولم تستقر كلتاهما وشبع حروباً، وبات ربع الشعب في معسكرات البؤس والتشرد والضياع.. وصمتت أصوات البنادق في كل أركان الدنيا إلا السودان!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية