نحن وهم (1)
{ حينما وطئت أقدامنا الأسبوع الماضي الأراضي السويسرية وحللنا بمدينة جنيف، وهي مدينة أممية بكاملها حيث مقر أغلب منظمات الأمم المتحدة، من مفوضية حقوق الإنسان إلى لجنة العمل الدولية، ومنظمات مثل الصليب الأحمر الدولي، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمات أممية أخرى بعدد الحصى.. تلقينا فور هبوطنا مطار جنيف نصيحة من مدير العلاقات العامة بالسفارة السودانية الشاب “عبد القادر عبد الرحمن أحمد” بالانتقال فوراً إلى دولة فرنسا المجاورة والإقامة في أحد الفنادق الفرنسية بدلاً عن الإقامة في جنيف.
تملكنا الرعب والخوف.. هل في سويسرا اضطرابات وتظاهرات مثل تركيا هذه الأيام؟! أم حركة تمرد سويسرية أعلنت عن حمل السلاح في وجه حكومة بلا جيش وبلا وزير دفاع ولا تنفق على الأمن والشرطة أكثر من التعليم والصحة؟! والمسألة ببساطة كما شرحها السفير “حمزة عمر حسن” لأعضاء الوفد من غير الوزير “محمد بشارة دوسة” لها علاقة مباشرة بارتفاع تكاليف الإقامة ما بين سويسرا وفرنسا!! ذهب تفكيرنا مباشرة لبعد المسافة بين دولتين وتعقيدات الدخول والخروج يومياً، حيث تقتضي متابعات أعمال لجنة حقوق الإنسان حضور الجلسات يومياً والعودة لمقر الإقامة في المساء.. لكن الإداري والشاب النشط “عبد القادر” شرح لوفدنا من الإعلاميين وأعضاء إدارة حقوق الإنسان بوزارة العدل، أن الفاصل بين فرنسا وسويسرا جزءً من مدرج المطار، الذي تحته يقع نفق كبير يؤدي بك إلى دولة فرنسا، وأن مطار جنيف نفسه نصفه في سويسرا والنصف الآخر في فرنسا، والمسافة بين قلب جنيف ومدينة فولتير الفرنسية خمس عشرة دقيقة.. لا يوجد حاجز ولا بوليس يفتش حقائب العابرين ولا حراس (غلاظ) شداد على شعوبهم من المستضعفين.. والإقامة ليوم واحد في فندق صغير بلا نجوم في سويسرا تبلغ أربعين يورو في اليوم أي نحو أربعمائة وخمسين جنيهاً في اليوم، وفي فرنسا نحو (15) يورو في اليوم.
وكان الخيار لنا ما بين العيش في أحضان سويسرا أو الرحيل لبلاد الفن والموسيقى والجمال.
تلك هي أوروبا التي نلعنها ونفيض في سبابها يومياً.. تجاوزت حقبة الحروب، وتلاشت فواصل الحدود، ووحدت اقتصادها وأنظمتها الدفاعية وسياساتها الخارجية.. أما حينما جلسنا في مكتب السفير المثقف “عبد الرحمن ضرار”.. وتجول بنا في محطات التلفزة السودانية.. تبدت فجيعتنا الأولى والنبأ المفزع يتصدر نشرات أخبار التلفزيونات بإغلاق صنابير النفط بين شعبين شطرت السياسة وضيق الأفق وسوء التدبير وطنهما إلى دولتين.. وبعد الطلاق اختارا طريقاً خاطئاً بنحر الذات بسكين صدئة وطعن الخصر بمدية حادة.
{ العالم يتكامل ويلغي الحدود والفواصل، ونحن نعلن الحرب على أنفسنا من أجل أرض جرداء اسمها (أبيي) أكبر من ثلاثة بلدان أوروبية ولا يتعدى عدد سكانها الـ (500) ألف نسمة!! نجفف مصادر الرزق والعيش الكريم لشعوبنا، ونبقي على الثروة البترولية في باطن الأرض في انتظار حل خلافات شخصية بين قيادات في الخرطوم وأخرى في جوبا.. والأسى والحزن يخيم على أجواء البلدين، ونذر الحرب والموت تلوح في الفضاء، والشعوب المغلوبة على أمرها تساق إلى الحروب لإرضاء شهوة النخب، وستستريح من الرهق حينما يقرر نيابة عنها قادة فرضوا أنفسهم عليها.. أين نحن وأين هم؟!