الاعمدةرأي

رحمة عبدالمنعم يكتب : الكابلي.. يا قمر دورين

الرأي الثالث

رحمةعبدالمنعم

الكابلي.. ياقمر دورين

رحل عن عالمنا أمس ، الفنان القدير عبدالكريم الكابلي، عن عمر يناهز 89عاما، بعد مسيرة فنية طويلة مليئة بالعطاء والتميز، برحيله فقد السودان احد ابرز أعمدة الغناء والشعر والتحلين

الكابلي أيقونة الطرب وحارس تراث الأغنية السودانية .. الصوت الذي رافق مشاعرنا وبهجتنا واشجاننا.. وداعاٌ.. وقد أصبح أهل الطرب يتامى من بعدك.

ولد عبدالكريم عبدالعزيز الكابلي في شرق السودان بمدينة بورتسودان وتلقى تعليمه الأولي بها ، ثم انتقل لمدينة أمدرمان لمواصلة مشواره التعليمي والتحق بكلية التجارة

أحب الكابلي الغناء منذ الصغر وكان يغني في جلسات الاهل والأصدقاء بصوته الغض، الذي نال إعجاب كل من استمع له ، فكانت بدايته الغنائية في العام 1960 عندما تغني للشاعر تاج السر الحسن بقصيدة ( انشودة أسيا وأفريقيا)، التي وجدت قبولا واسعاً ، فلم يكن منه إلا أن يشمر عن ساعديه ويخطو نحو سلم الإبداع والتألق، مغرداً في غصن النغم.

جاء صوت الكابلي مختلفأَ عن الاخرين ، فهو صاحب حنجرة قوية ريانة بالعشق وضاجة بالحنين، فرض حضوره وصنع نجوميته، قدم شدواً أسر القلوب وملك النفوس..وداعب الأحاسيس.. وعزف على ألاوتار أجمل (سيمفونيات) الحب :
حبك للناس خلاني احبك تاني
فيك الاحساس نساني اعيش احزاني… ماانت نغم رنان في خيالي.. ما أنت عشم فنان زي حالي

أثرى الكابلي الساحة الفنية بالعديد من الأغنيات الوطنية والعاطفية التي ظلت عالقة في الوجدان علي غرار :”كل الجمال ” اوبريت السودان ” و “حسنك فاح مشاعر ” ذات اللحن العذب والكلمة الرصينة:
حسنك فاح مشاعر وعم الطيب فريقنا.. يوم ظنوك ازاهر مرت بي طريقنا.. قالوا رياض غوالي.. مسخ كلي غالي

ولأن الكابلي تفرد في كل شي وامتاز بصوته العذب وألحانه الشجية التي تطرب الأبدان وتستعذبها الأرواح صار الناطق الرسمي باسم الافراح، يغني ” دقت الدلوكة قلنا الدنيا مازالت بخير.. اهو ناس تعرس وتنبسط”، يشدو بصوته الطروب فتتماوج الدواخل و تتمايل الأجساد على إيقاع “جابولنا الكرامة وصبحنا فرحانين.. سوولن الكرامة وصبحنا فرحانين.. ضربوا دنقرُن جوني العيال مارقين”

الكابلي صوت نادر منغم بكل مايجذب الأذان ،وحينما يراقص أوتار عوده تهطل دمعات العود وتنتحب حناياه وتنوح الأنامل التي تعزف بشاعرية مطلقة وإحساس مرهف قلما تجد مثله :
كيفن ما أريدك لوكان احوالي
بيك تتباهى وتزدان وتلالي
ياروح سر الألوان ياغالي

أستحق بجدارة أن يكون ملكاً متوجاً على عرش البهجة وحارساً لحقول الفن المتفرد،والمتأمل في أغنياته يجد بها حبا” دافقا وحنينا” جارفا لوطنه فهو العاشق لأرض بلاده الخصبة وطبيعتها الخلابة إذ يقول :
وتقوم شتلة محنة مثال أريجا دعاش و حزمة نال.. قبال توتي ام خداراً شال عيون ام در لبيت المال..

حلق الكابلي عاليا ً في فضاءات التميز والإبداع بالعديد من الأعمال الفنية الرائعة، وسطر أسمه بأحرف من نور في خارطة الأغنية السودانية اصلاً لايدانيه قصر.. ترفع له القبعات احتراماً وتنحى له الهامات إجلالاً :
نعم.. أنت الرحيق لنا وأنت النوّر و العطر.. وأنت السحر مقتدرا وهل غير الهوى سحر.. خذوا الدنيا بأجمعها حبيب واحد زخر

الكابلي ليس فناناً تحب أن تستمع لأغنياته، ولكنه مشروع فني متكامل ، لا تستطيع إلا أن تصدقه وتؤمن به ،فقد استطاع بمقدراته الفنية ان يكون من المع النجوم في سماء الاغنية السودانية.:
شيلوه.. وزيدوه.. وطن الجمال..
علوه.. وخلوه.. في عين المحال
أبنوه.. و مدوه.. بالمال و العيال
زيديوه.. وأبنوه.. بعزم الرجال

جمع الكابلي بين جمال الصوت واحساس الروح،لاغنياته وقعاً في النفوس والدواخل،ولكلماته التأثير على كل من سمعه، عندما تستمع له يحلق بك في فضاء لامتناهي من الرقة والعذوبة والتطريب، وفي صوته حلاوة وطلاوة :
تاني تاني ريدة كمان جديدة ..ياقلبي مالك في دروب دلالك.. تحكم علي بعيون سعيدة
كانوا … ماشفت الغرام.. كانوا … ماعشت الحقيقة

الكابلي فنان لامثيل له، أغنياته تحمل فيض من المشاعر والأحاسيس والدفء والحنان والعطف والحب الخالص لكل شيء تغنى من أجله،، كلما تغني عن الحب بكت القلوب قبل العيون :
بين الحب وقلبك أبعد من خيالي
بين وعدك وقربك كم شابت ليالي.. كم كل العيون من أنوار ولون تبني عليك كون.. أسرارو المحاسن وخيالو الاماني ووصالو الشجون

ويعد الكابلي من ابرز الفنانيين الذين تغنوا بـ”لغة الضاد”، وخاصة قصائد ابوفراس الحمداني و العباسي وصديق مدثر.. الخ ، ومنها “اراك عصي الدمع و”عهد جبرون ” و”ضنين الوعد ” و”شط البحرين “.. الخ
واستطاع أن يصنع لنفسه مكانة كبيرة بين الجمهور بتلك الأغاني، ولديه دراية وفهم بمخارج الحروف، واختيار الألحان التى تناسب تلك القصائد، وأصبح من رواد الغناء باللغة العربية الفصحى في السودان، وقد امتع واقنع وهو يتغنى بـ(شط البحرين) :
أغلى من لؤلؤة بضة صيدت من شط البحرين.. لحن يروي مصرع فضة..ذات العينين الطيبتين

وأجمع كثير من النقاد على ان الغناء بالفصحى صعب، لكن عند الكابلي الفن رسالة لابد من ايصالها بالشكل الصحيح، وبرع في اداء رائعة “ابي فراس الحمداني :
اراك عصي الدمع.. شيمتك الصبر
أما للهوى نهى.. عليك ولا أمر

رحمك الله ياكابلي على كل ماقدمت من جهود في شأن وطنك.. فقد كنت فناناً بكل ماتحمل الكلمة من معنى.. نسيجاً فريداً.. إنسانا ً جميلاً.. طيباً ودوداً.. راقياً مهذباً.. تقبلك الله ورزقك أعالي الجنان ..
وفي الختام نردد مع كابلي :
الكلمة الرقيقة تتفتح حديقة تتفجر عيون
والناس المشاعر من رسام لي شاعر شالوك في العيون.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية