السلطة الرابعة و عقيدة الصحفي ..
إذا رجعنا تاريخيا للبحث عن مصطلح (السلطة الرابعة) لوجدنا أنه ظهر بكثافة في منتصف القرن التاسع عشر انسجاما مع طفرة الحريات و تكوين المنظمات الدولية المطالبة بحقوق الإنسان والتي رافقت الصحافة العالمية لتشمل الإتصال الجماهيري كالإذاعة والتلفاز و قام البعض وقتها بفهم لغوي خاطىء و ذلك بربط الصحافة بالسلطات الحكومية الثلاث السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية .. بإعتبارها سلطة رابعة نظير مالها من قوة و تأثير في الشعب وتعادل و تفوق قوة الحكومات …
هناك جدل يدور حول من أطلق هذا المصطلح ( السلطة الرابعة ) إلا أن اتفاقا واضحا ينعقد حول دور المؤرخ الإسكتلندي توماس كارليل من خلال كتابه (الأبطال و عبادة البطل)حيث أشار إلى مستويات الحكم حينها و قال إن المراسلين الصحفيين هم الحزب الرابع الأكثر تأثيرا من كافة الأحزاب الأخرى .. و من المؤكد أن الروائي الإنجليزي هنري فيلدج هو أول مستخدم معروف لتعبير (Fourth Estate ) في عام 1752.
و بطبيعة الحال تختلف فلسفيات المؤسسات الصحفية حول العالم إلا أنها تتفق على مبدأ اتباع الحقيقة الكاملة بدقة و موضوعية مع الإلتزام بالحياد المهني و التسامح و المسؤولية أمام القراء ما أمكن ذلك .. و كثيرا ما تتعارض الحقيقة مع المصلحة العامة في مختلف المجتمعات مثل الكشف عن الأسرار العسكرية و المعلومات الحكومية الحساسة و التي يتوصل لها بعض الصحفيين الإستقصائيين المخترقين للبوابات الأمنية داخل الأنظمة السياسة الهشة تحت مظلات الرشوة و الفساد الإداري و بغرض تصفية الحسابات السياسية و ضرب الخصوم …
لكن لابد و أن نتفق معا أن ليس من السهل تعريف ما هي المصلحة العامة بصورة دقيقة فالمصطلح بات فضفاضا … إلا أن مراعاة الخصوصية و عدم نشر التفاصيل الخليعة في حياة الشخصيات بصورة عامة يعد أمرا أخلاقيا و يخدم المصلحة العامة حتى و إن كانت المعلومات هذه حقيقية .. و قد يتم في كثير من الأحيان الخلط بين الخيال و التكهنات و التحليلات السطحية و الإستباقية للأحداث والمواقف السياسية و بين ماهو حقيقي في عالم الصحافة وذلك عندما تشح و تنعدم مصادر المعلومات و تحجم و تضعف الصلة بين السلطة الحاكمة و الصحف كمنصات مساءلة سياسية شعبية ..
في الآونة الأخيرة كتب كثيرا من المدونات عن عقيدة الصحفي صاحب الرسالة الهادفة و التي تعتمد على الثقة المتبادلة و الإستقلالية والصبر و المثابرة والشفافية في محاربة الظلم و الطغيان وربما يرجع ذلك لتسييس الصحافة عالميا و الذي لا تخطئه عين ..
الصحافة الحرة و النزيهة هي بمثابة خدمة عامة و أي تدني لمستوى هذه الخدمة المقدمة يعتبر بمثابة خيانة ..لأنهاصحافة وطنية و لأنها صحافة الإنسانية في المقام الأول …
ماذا لو اختفت الصحافة النظيفة عن العالم ؟
الإجابة على هذا السؤال : بالطبع ستختفي غالبية المساءلة السياسية ، لذلك يلاحظ مؤخرا ذلك الدمج الواضح بين أخلاقيات الإعلام و قضايا الحقوق المدنية و السياسية .