سمه (انقلاباً أبيض)، وبامكانك القول إنه (تغيير بلا مارشات) ، لكنك لن تتجاوز مطلقاً وجود أسباب منطقية لما آلت إليه الأوضاع داخل قوى الحرية والتغيير من تشظ وانقسام انتهى بالطلاق البائن في قاعةالصداقة أمس.
مخطئ من ظن أن الانقلاب يحدث فقط على (طريقة بكراوي) وبذات الطريقة النمطية والتقليدية ، تحريك الدبابات واستلام الوحدات، ثم التوجه للاذاعة والتلفزيون لقراءة البيان الأول.
التغيير في ظل خلافات المكونين المدني والعسكري لم يكن يحتاج لاكثر مما حدث في قاعة الصداقة امس ، حاضنة سياسية جديدة ، وتوسيع لقاعدة الحكم ، وتحرير الفترة الانتقالية من الاختطاف بواسطة ثلاثة احزاب.
الإشارة المهمة تستوجب القول انه انقلاب نفذه مدنيون ضد بعضهم حتى وإن كانوا على صلة بالعسكر فخلافات قوى الحرية والتغيير هي التي عبدت طريقهم لانتظار الفائز في المباراة الختامية، الذين يتهمون العسكر بالتآمر اليوم هم الذين فتحوا لهم (أبواب القيادة) المدنية حين سلموا البلد للأحزاب الصغيرة وتنكروا لمبادئ الثورة ووظفوا دماء الشهداء لجني الامتيازات والجلوس علي مقاعد الحكم الوثيرة واستبدلوا الكفاءات بالمحاصصات..
نبهناهم كثيراً إلى أهمية تقوية الحاضنة السياسية، والانصراف لتجويد الأداء التنفيذي، وانهاء الأزمات المعيشية ، ونبذ الخلافات ولكنهم اغتروا واستكبروا ومضوا سادرين في غيهم حتي أتاهم اليقين و أجهز عليهم خصومهم المدنيون وابعدوهم عن السلطة.
ما بالهم يصرخون اليوم ويشكون لطوب الارض من الخيانة ومخاوف مابعد الانقلاب ،ألم يكونوا بالامس ملء السمع والبصر يهددون ويتوعدون الخصوم ب(البل والتنكيل) ، لماذا خانتهم الشوارع التي لا تخون في يوم الهبة الكبرى حينما دعوها لحماية مصالحهم لا ثورة الشعب السوداني..
كيف تفوق جمهور النجم محمد النصري في حفل نادي الضباط امس الاول علي اعدادهم وحشودهم المصنوعة رغم استغلالهم للسيارات الحكومية وقطارات الدولة لتعبئة مكان التظاهرات بالهتافات والشعارات المشروخة ، وكيف كان طبل العرس يومها مثقوباً وفارس الحوبة ( مريض وتعبان) ومن الذي تكفل بنفقات التعبئة والتحشيد، وكيف حولوا مقر اللجنة الحكومية إلى ساحة للهتاف وتصفية حسابات السياسة بين الخصوم.
ما بالهم يولولون اليوم ويبكون علي مجد سيزول وعز لم يحصنوه بالعدل ويحرسونه بالوعي والحكم الرشيد، لماذا فقدوا السيطرة علي الاوضاع وطفقوا يبحثون عن (الفزعة) في القطارات، وإرهاب الموظفين وتعطيل الجامعات للخروج لحماية ملكهم بتظاهرات (سواقة الخلا) للدفاع عن لجنة ازالة التمكين..
تامل بربك كيف تدهورت شعارات ساحة الاعتصام وتم اعتقالها أمام لجنة التمكين، انظر اليهم كيف باتوا يستجدون حماية مصالحهم باستخدام أختام الثورة المسروقة.
كيف حولوا لجنة ازالة التمكين الي (حزب سياسي) يتجمع علي منصاته نشطاء الاحزاب واصحاب المصالح والضغائن والغبائن، تاملوا إلى أين وصلت الثورة والاحزاب تستدرجها من ساحة الاعتصام بنبل شعاراتها وقداسة هتافها ورصانة ثوريتها الي مقر لجنة ازالة التمكين.. حيث الصلف الجديد وإزهاق روح العدالة وذبح دولة القانون جهاراً نهاراً علي قارعة الطريق..
حق لنا ان نطالب قوى الحربة والتغيير في تكويناتها الجديدة والقديمة بتأمل التجربة السابقة والاقتناع بانه لا شئ يحصن الحكم غير العدل، السلطة لا تحرسها الدبابات و إنما يؤمنها الإيمان بدولة القانون والنأي عن الظلم ورد الحقوق الي أهلها.
شعب السودان المعلم ظل يتابع بحذر كبير التطورات داخل قوى الحرية والتغيير وهو يهمل – ماعدا مجموعات مستفيدة من ناشطي الاحزاب- الدعوة لاستخدامه كوقود في معركة تنفيذ الاجندة وتصفية الحسابات بين (شلة حاكمين) أهملته عامين واستخفت بمعاناته ثم عادت تستنجد به لحماية مصالح الخاصة…
اتقوا الله في البلد وأياً كانت التطورات القادمة فقد اكتملت أمس لوحة المشهد الجديد الذي نتمناه اكثر وعياً وعدالة، نتمني تصحيح الاخطاء التي تحركها الغبائن وتقودها الرغبة في التشفي بعيداً عن القانون، نأمل أن تهتم الحاضنة الجديدة بمعاش الناس وتنهي مظاهر التمكين والظلم التي تسيدت الساحة على أيام حكم مجموعة الأربعة التي اختطفت الدولة خلال العامين الماضيين.. ونتمنى قبل هذا وذاك أن تستفيد قحت من هذه التجربة القاسية التي أضاعت علي البلاد والعباد وقتاً ثميناً.