(دستة) من البشر!!
{ لا يشعر ولاة أمرنا وقادتنا بوخذ الضمير ولا الشعور بالمسؤولية إزاء ما يحدث للسودانيين في (المهاجر) القريبة والبعيدة.. السعودية تتوعد الآلاف من العمالة السودانية التي تسللت لأرضها خلسة واتخذتها وطناً ثانياً لها.. وشركة عربية بإحدى دول النفط تعلن جهراً للعالم حاجتها لمهندسين من الجنسيات باستثناء السودانيين.. يا لعارنا.. حتى العرب يتبرأون منا!! ونحن من دفع ثمن انتمائنا العربي من جسدنا الوطني، ذهب الجنوب بعيداً عنا لرفضنا التنازل عن هويتنا العربية.. ولا تزال مناطق أخرى من الوطن مهددة بالرحيل، والعرب (يجعلوننا) موضع السخرية لأننا لا نعرف قدر أنفسنا وجعلنا بلادنا مضطربة (أبخس) ما على ظهرها الإنسان الذي كرمه رب العباد.
{ ما الذي يذهب بالنساء والشباب والأطفال للهجرة للأرض العربية المغتصبة؟! ونحن من ولدنا وتربينا على بغض إسرائيل واعتبارها عدواً للعروبة والإسلام، واليوم بعض من شبابنا يهرولون لأحضانها، ونحن هنا نلعنهم ونخوّنهم ولا نسأل أنفسنا لماذا أصبح وطننا طارداً لفلذات أكباده ويستجيرون بالعدو والمتربص؟!
{ مأساة دستة من السودانيين الأسبوع الماضي في الحدود مع ليبيا هي امتداد لمخازٍ كبيرة وهلاك أنفس كثيرة وضحايا ابتلعتهم الصحارى.. والرأي العام عنهم غافل.. وإعلامنا في غفوته يكتب عناوينه العريضة كلما زاد عدد الموتى.. ويضيف أحياناً الموتى والجرحى لرقم واحد ويترك للقارئ البحث عن التفاصيل في الصفحات الداخلية مثلاً عنواناً عريضاً (مقتل وجرح “50” في حادث مروري بطريق الخرطوم مدني)، وفي التفاصيل (قتل ثلاثة أشخاص وأصيب سبعة وأربعون آخرون بجراح).. كلما زاد عدد الضحايا ارتفعت قيمة الخبر وسقطت قيمة الإنسان، وفي بلد رزئت بالحروب كالسودان ولا يزال بعض من أهلها (يتمنون) دوامة العنف والقتل ويشجعون على حمل السلاح وإقصاء الآخرين يتخذ الشباب الهجرة باباً للخروج من الجحيم.
{ حتى الصومال (أفقر) دول أفريقيا أخذت في التعافي والاستقرار.. وتشاد التي رزئت مثلنا بالحروب وهب الله التشاديين حكمة القبول ببعضهم البعض واقتسام السلطة بينهم والتوافق على دولة لا تضيق ببعض من شعبها وتتسع لآخرين.. ودولة جنوب السودان أحدث من انضم للأمم المتحدة لا يفر شعبها من أرضها كفرار السودانيين من وطن ضاق بهم!! وأرقام وزارة تنمية الموارد البشرية عن هجرة الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات تثير الفزع لمن يفزع قلبه لآهات الوطن.
{ ومثلما شهدت سنوات النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي هجرة الكفاءات السودانية ورأس المال لدول الجوار هروباً من الواقع المزري، فإن السنوات الثلاث الماضية بعد غروب شمس السلام وبزوغ نجم الحرب من جديد في بلادنا قد شهدت موجات نزوح جديدة لأي من بقاع الأرض.. ويموت في صحراء ليبيا برصاص (خفر) الحدود (شبابنا) ويبعثرون حقائبهم ولا يعثرون حتى على وثائق تثبت حقيقتهم؟! أي مأساة وفجيعة تغرس سكاكينها في القلوب أكثر مما هو ماثل الآن؟!