واعتصموا بحبل الله …
من الغريب في الفترة الإنتقالية أن يحدث عدد قياسي من الإنقلابات العسكرية الفاشلة بعد ثورة ديسمبر المجيدة و تشكيل الحكومة الإنتقالية و فقا للوثيقة الدستورية و قد كان أقوى هذه الإنقلابات هو إنقلاب يوم الثلاثاء 21/9 بقيادة اللواء عبد الباقي بكراوي قائد ثاني سلاح المدرعات /الشجرة في تحرك مباغت و مغاير للسيناريوهات المعتادة للإنقلابات في السودان. و شكل هذا الإنقلاب مهددا حقيقيا و خطيرا على الأمن القومي للبلاد في إحتمالية لو أنه نجح ليدخل البلاد بعد ذلك مره اخرى في دوامة الإنقلابات العسكرية البغيضة … و رغم التشكيك و كثرة التحليلات و التكهنات التي تغذي فكرة مؤامرة المكون العسكري في فبركة الإنقلاب و محاولات الهيمنة الكاملة على السلطة و إلغاء الوجود المدني .. إلا أنني و بكل صدق أجد أن ما حدث هو محاولة إنقلابية حقيقية و لم تكن تمثيلية كما يروج لها البعض. و قد اتضح ذلك بعد نشر جزء من التحقيقات الجنائية على وسائل التواصل الاجتماعي مع اللواء بكراوي قائد الإنقلاب و التي وجدت تعاطفا لحد بعيد مع الرجل .. ليتجلى حجم التململ داخل المؤسسة العسكرية من الوضع الراهن و هو نفس التململ و الإنتقاد و السخط الذي ظل يوجهه الشارع السوداني لحكومة الفترة الإنتقالية. إذن ليس غريباً أن يحدث إنقلاب ما دام المناخ مناسبا ومواتيا ..سيولة أمنية و إنتشار للجريمة بكل أنواعها يضرب كل المدن .. عصابات متفلتة تقتل و تروع وتنهب و تسرق المارة و البيوت تحت تهديد السلاح و قبل كل ذلك غلاء طاحن و تجويع و فقر للمواطن السوداني بسبب تنفيذ سياسات و حزم إقتصادية قريبة و.بعيدة المدى ، كل ذلك كان معطيات كافية و ممتازة لكتابة البيان الأول لاي إنقلاب عسكري يحدث ..
عاش الشعب السوداني في قلق و حيرة بعد الإنقلاب الفاشل هذا و عبر وسائل الإعلام المحلية و الفضائيات ، تابعنا جميعا هذا الكم الهائل من الإتهامات و التصريحات الهوجاء من بعض المسؤولين و التقاذف و التراشق بالألفاظ بين المكونيين العسكري و المدني و محاولات رمي المسؤولية على طرف دون الآخر مما يدل على حجم الشقاق و الإختلاف و التناحر بين الطرفين .
اتى الانقلاب الفاشل هذا تزامنا مع تمرد و تحركات ترك في الشرق و قفل طريق بورتسودان الخرطوم و شل حركة النقل مع الميناء الرئيسي للبلد .. ايعقل ذلك ؟!! لتظهر لنا قراءة واضحة للمشهد السياسي المتردي .. عجز و تهاون من قبل الحكومة الإنتقالية في حسم التفلتات الأمنية المهددة للأمن القومي ..
من يحرك هذه اللعبة السياسية القذرة و لمصلحة من ؟!!
الشارع الآن يقول كلمته و يطالب بالإسراع بفك الإرتباط بين المكونيين المتناحرين و ذلك بالتعجيل بنهاية هذه الفترة الإنتقالية بسلام ..
الفترةالإنتقالية الممهورة بدماء الشهداء يجب أن تنتهي بسلام ..فما تحقق حتى الآن من تقوية للجانب المدني و وضوح للرؤية .. يكفي تماما لقيام إنتخابات حرة و نزيهة تتم تحت الرقابة و المتابعة الدولية لتأتي بحكومة شرعية منتخبة تعبر عن تطلعات الشعب و ترضي كل الأطراف السياسية ..
لا خلاف و لا جدال بين الوطنيين العقلاء أن القوات المسلحة هي المؤسسة العسكرية الوطنية و هي صمام الأمان و العدة و العتاد لهذا البلد المترامي الأطراف ..
قال تعالى (و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا و أذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) آل عمران (103 )
لا سياسة وطنية بدون قوة عسكرية و لا قوة عسكرية راشدة بدون سياسة.
مها الرديسي
صدى الصمت