العودة .. والموت في الحدود!!
(1)
{ تعود (المجهر) اليوم لأحضان قرائها بعد توقف لاسبوعين، عرفنا خلالها مقامنا عند القراء والأصدقاء والأحباء في الوسط الصحافي والسياسي والاجتماعي وفضاء علاقات السودانيين الذين تصقل معادنهم المواقف..
{ قرار إيقاف (المجهر) ابتهج له البعض من أهل اليسار المتربصين بالإنقاذ، و(بانت) شماتتهم على (المجهر) ورئيس مجلس إدارتها الأستاذ “الهندي عز الدين”، وهم يتحدثون في فرح غامر عن نهاية علاقة بين (أقلام) وقفت مع صف الوطن قبل (الوطني) و(الإنقاذ)، وهؤلاء (ينسجون) من أخيلتهم قصصاً وحكايات ووقائع، ويمنون أنفسهم برؤية (المجهر) تقف في صف الجبهة الثورية وتحمل سكينها و(تغرزها) في كبد الإنقاذ، ولكن خاب الأمل وفشل المسعى، وصدر بالأمس القرار لتعود العروس إلى عيون القراء في ثيابها وعطرها المعهود.
(2)
{ حينما قتل عمال مزرعة “جودة” في ستينيات القرن الماضي ثارت الخرطوم ودمعت لموت عشرين دستة من البشر كما جاء في قصائد الشاعر الشايقي الشفيف “عبد الله محمد خير”.. وكما سكب “صلاح أحمد إبراهيم. رائعته عن مأساة عنبر “جودة”.. ومالك المشروع كما يجهل الكثيرون من أهل السودان هو رجل الأعمال “عبد المنعم محمد” والآن في حدود السودان وليبيا يموت شبابنا برصاصات خفر الحدود الليبي، والسفارة السودانية في ليبيا تهرع لمكان المأساة والقنصلية تفزع للموت الزؤام.. والخارجية تستدعي السفير الليبي وهي تبتسم في وجه ضيفها.. والشعب السوداني يقرأ الخبر في الصحافة (بالأحمر الفاقع) والخطوط العريضة، ولا يسأل أحداً لماذا يحصد الموت السودانيين بهذه الطرق البشعة؟ ولكنهم يتساءلون كيف قتلوا؟ وأين ..؟ ولماذا ..؟.
{ ومن لا يملك جواز سفر ووثيقة إثبات شخصية يركب الصعاب لصحارى ليبيا من الخرطوم، أم درمان، الأبيض والفاشر يحشرون في ناقلات (الزيد واي) و(اللاندكروزر) يهاجر شباب (استيأسوا) من إصلاح وطنهم ولا يفيقون من صدمة أزمة حتى يتوعدهم المسؤولون بجحيم آخر ينتظرهم، فكيف لا تصبح بلاد العالم الواسعة مقصدهم وقد أصبح المال دولة عند الأغنياء.. رجل أعمال قريب من السلطة.. بل من صلبها وفخذيها ينفق مليون دولار لتكريم نفسه.. ومئات الجوعى والمحزونين من مخيمات البؤس (يعالجون) اليأس طول النهار بلعب الورق و(الكونكان).. وحينما فتحت السماوات بواطن الأرض ولاح الذهب الأصفر في بعض النجوع والأطراف والبلدات أخرجت (اللاندكروزرات) حممها وسعيرها وحصدت خمسمائة من الشباب في يوم العار الذي لا تمحوه الأيام في بلدة “السريف بني حسين” وفي الشمالية حيث لم يدخل السلاح الناري بعد، ونسأل الله أن يجنب الشمالية مرضاً قضى على نصف دارفور وتوطن الآن في كردفان، وفي الشمالية (يشتجر) الدهابة بالسلاح الأبيض، والموت بالسيف والساطور والسكين أكثر إيلاماً من الموت بالرصاص.
ولا تملك الخرطوم إلا الاعتذار لليبيا لأن رعايا الخرطوم يتسللون خلسة عبر النوافذ الخلفية، ولا يدخلون الدول بأبوابها.. إما لعدم التأهيل أو لأشياء أخرى!.
نواصل..