الاعمدةرأي

مها الرديسي تكتب : قليلاً من الحس الأمني

صدى الصمت
مها الرديسي

قليلاً من الحس الأمني

كنتم معي في رحلة الذهاب لأرض الوطن وفضفضة الأسفار تلك.. ولم أستطع أن أعود لمهجري إلا وأنتم معي..هذه الرحلة أقل رهقاً عن سابقتها… إلاّ من ذلك المشهد الذي يبدو عاديا للبعض ، خاصةً في ظل المستجدات التي ترتبت على زيادة سعر الدواء وندرة العقاقير المنقذة للحياة ، ولكن الأمر مختلف هذه المرة.
نحن شعب جبار للكسور والخواطر…هناك كثير من الإلفة و المحبة الصادقة تجمع بيننا .. الأخلاق الفاضلة هي سر تميزنا و حسن الظن الذي يسبقنا قبل كل شيء… تغيير في التفكير والسلوك الإنساني يحدث حولنا ونحن جزء منه.. هل لنا أن نبقى على نفس مستوى الثقة في كل شي كما كنا أم يجب أن نعيد بعض الحسابات لمجاراة هذا التحول محليا وعالميا… العالم أصبح قرية صغيرة… …عبارة مكررة…نشعر بها في كل ثانية…يمكن أن يكون هناك شخص على بعد الآلاف من الكيلومترات ولكنه قريب منك لدرجة مشاركة اللحظة صوت وصورة..عولمة تفرض نفسها … كان كل هذا قبل سنوات شبه مستحيل..إنتقل الريف معنا بعفويته…ولكن للمدنية ضريبة قاسية… تطور الناس علميا وكذلك تطورت الجريمة وأدواتها..عملية طردية..بالمقابل كان لابد أن نعمل على تنمية وترقية الحس الأمني داخل كل منا.. المؤمن صديق و لكن ليس ساذج ليسلم بكل مايقال ويرى .. هو قوي.. يعمل العقل و يقلب الفكرة قبل إتخاذ أي قرار…

بعد رفع الدعم عن الدواء في السودان ظهرت بقوة تجارة الشنطة أو كيس بداخله خطاب به أشرطة من الحبوب يسلم لفلان !!كنت أتوقع أن اقابلهم عند رحلة الذهاب في مطار دبي كما تعودنا وهم يحملون الحواسيب و الموبايلات في منظر مشين.. لايشبهنا ، مراهنين على نخوة السوداني المعهودة …و لكنهم هذه المرة لهم حضور ملفت في صالة المغادرة بمطار الخرطوم .. متجاوزين نقطة لايصل إليها إلا مغادر !! ..يمارسون الإقناع بإلحاح على المسافرين وإستدرار عطفهم بأن هناك من ينتظر إكسير الحياة وإلا فالموت ينتظره لا محالة ..كيف يمكن أن نصدق أن هناك من ينتظر في دبي دواء لمرض الكلى يأتيه من السودان؟!! يبدو أن تركيبتة تخدم غرضا أخر .. هي أشرطة وبدون صندوق يحويها!! المضحك المبكي أن البعض في مواقف اخرى يحاول المساعدة بالإطلاع على الوصفة المرفقة للدواء..لقد إجتهدوا معهم حقيقة و لكن لن يصلوا لمعلومة أكيدة عن الإستخدام.. للدواء الواحد عدة إستخدامات و مسميات .. كل الحبوب المنشطة ،المخدرة و المهدئة ما هي إلا أدوية صنعت بهدف العلاج لأمراض نفسية وعصبية معينة أو لتقليل و تسكين الألم .. وبجرعات محددة تحت إشراف طبي ..لخدمة الانسان..أسلحة ذات حدين …إساءة الإستخدام تعني الوقوع فريسة للتعاطي والإدمان وآثار صحية أخرى..اليوم أصبح الوضع أكثر خطورة و تعقيدا … أساليب جديدة للتهريب و تخطي لأكثر الأجهزة حساسية بكل المنافذ ..جريمة منظمة وعابرة للحدود …لذا وجب تنمية مهارات تنطلق من الحيطة والترقب.. معتمدين على التنبؤ و الإستشعار عن بعد ..التوجس وتوقع الخطر ..قوة الملاحظة والتحليل و ربط النقاط المتفرقة لتعطي صورة كاملة لحدوث أمر مريب وغير طبيعي.. الحس الأمني لدي الفرد هو بمثابة أمن ذاتي إلى جانب أمن المجتمع و الدولة له علاقة ورابط قوي بالأمن الفكري ..ثمرة التعليم المدعم بالتدريب ..و ما الرغبة في تنمية ذلك الحس إلا خدمة للوطن في المقام الأول..يجب أن يمتلك كل شخص تلك المهارة قبل رجل الأمن…

كل ما نحمل من أشياء عينية…مجاملة دون وعي منا يمكن أن توضع بداخلها ممنوعات، تقود من يحملها لحبل المشنقة دون فصال.. المخدرات بكل أنواعها عقوبتها الإعدام في بعض الدول إن لم يكن السجن المؤبد مدى الحياة ، لمن وجدت بحوزته..كلنا سمعنا بقضية شوال الطلح الملغم بقناديل البنقو…و قد شرب المقلب أحد الطيبين ولولا لطف الله و من ثم التحري الممتاز.. لأعدم الرجل .. الحس الأمني يعني اليقظة و المحافظة على نفسك و غيرك من التورط وتجنب الوقوع بالمتاعب… يعني أن نعتذر بكل ذوق عن حمل مايمكن أن يجلب المشاكل.. يعني أن نواكب ونعترف أن ما طرأ من متغيرات إقتصادية داخلية أثر بشكل كبير على بعض ضعاف النفوس .. فإنحرفوا عن الجادة…وأصبحوا يتاجرون بالمراسلة مستغلين حقائب وايدي المسافرين برا و بحرا و جوا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية