معسكر (أبو شوك) للنازحين .. الأمن وحده لا يكفي!!
حالة النزوح التي عاشها قبل عقد من الزمان، حفزته لمواصلة تعليمه الذي وقف عند مرحلة الأساس في تلك الخيمة التي وفرتها له ولأسرته المنظمات الطوعية. وعكف “أحمد” على الدراسة ليلتحق بامتحانات شهادة الأساس وهو يحبو نحو عقده الرابع.
يقول “أحمد”: بعد أن تأجج الصراع في دارفور في 2003م وحرقت القرى، وفر الأهالي من مناطق غرب كتم، وجبل (س) وطويلة وكورما ومحليات جبل مرة، أصبحنا نازحين وتم توطيننا (مؤقتاً) في معسكر أبو شوك للنازحين نحو (6) كلم شمالي الفاشر، لكن – والحديث ما يزال لـ”ضوء البيت” – رأيت أن الحرب ليست الحل لمشكلة دارفور وأن سلاح العلم والإقناع بالحجة أقوى.
{ نجاح بطعم المكابدة
غير أن صفة (المؤقتة) انتفت بعد أن أصبح في المعسكر كل أشكال الاستقرار والديمومة، ومع حالة الاستقرار مضى “أحمد” في مسيرته التعليمية إذ أكمل المرحلة الثانوية بنجاح فاق (69%) وهو يعيش في ذات المعسكر، والتحق بالجامعة وأنهى دراسته الجامعية وما يزال حتى يومنا هذا يقطن داخل معسكر أبو شوك للنازحين، بل أصبح عمدة للمعسكر.
ورغم أن تضاريس المكان تغيرت وحلت المنازل المشيدة بالطين والقش محل خيام القماش، وبدا أن الجميع نسي أو تناسى الظروف التي جمعتهم في تلك البقعة الجغرافية، إذ إن الناظر للمعسكر يخال نفسه في حي من أحياء الفاشر، لكن ثمة حنين دائماً تجده في أعين سكان المعسكر إلى قراهم الأصلية، حيث أراضيهم الزراعية، وبدت حركة السوق منتظمة داخل المعسكر، وتبارى الشباب في اقتناء أحدث أنواع الهواتف الذكية بما فيها (سامسونج جلكسى فور).
{ صورة من معسكر أبو شوك
وهناك من يرى أن العودة إلى مواطنهم الأصلية تعني الالتزام الكامل بتنفيذ اتفاقية الدوحة لسلام دارفور التي نادت بأهمية العودة الطوعية.. “إبراهيم خليل شيخ الدين”، وهو مدير معسكر أبو شوك للنازحين يروي تفاصيل إنشاء المعسكر منذ اندلاع الحرب في 2003م والظروف التي مرت على تكوينه إبان فترة دخول المنظمات الأجنبية وحتى تم طردها، إذ يقول إن الزيارات التي سجلت للمعسكر من مسؤولين في شتى المجالات بلغت (730) زيارة بما فيها رؤساء عدد من الدول الأفريقية والأوروبية ورؤساء برلمانات دولية ووزراء خارجية، وكذلك عدد من الصحفيين والمهتمين.
{ نقله نوعية في المعسكر
يبلغ عدد سكان معسكر أبو شوك وفقاً لـ”شيخ الدين” نحو (54) ألف نازح في الفترة من 2004م حتى 2007م، ثم تقلصت تلك الأعداد لأسباب كثيرة إلى نحو (37) ألف نازح خلال الفترة من 2007م حتى يوم أمس. ويروي أنه في السابق إبان فترة الحرب كانت المنظمات تسلم كل أسرة خيمة واحدة للشخص وأسرته، وأصبح الشخص الذي عمره عشرة أعوام مضى إلى 20 عاماً وهو داخل المعسكر، وهو مؤشر للاستقرار حسب الرجل، ويشير إلى أن نحو (90%) من سكان المعسكر هم مزارعون ويمتهنون مهناً مختلفة، وبعضهم الآخر يعمل في البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة (يوناميد)، فضلاً عن أنهم لا يعرفون العطالة ولا يركنون إليها، وأن معظمهم يعملون في زراعة (التمباك)، وأن حياة المعسكر بدأت في الاختلاف والتطور نحو الأفضل، حيث دخلت (أطباق الدش) وماكينات الشعيرية، ودخول نحو (1000) سيارة يومياً داخل المعسكر، وأندية المشاهدة، حيث يستمتعون بمتابعة المباريات الأوروبية على حد تعبيره.
وللتعليم داخل المعسكر قصة نجاح يرويها “شيخ الدين” مدير المعسكر، حيث يقول إن مدرسة السلام (1) الأساسية داخل المعسكر أحرزت المرتبة السابعة في ولاية شمال دارفور، فضلاً عن وجود (16.609) ألف تلميذ وتلميذة داخل معسكر النزوح منتشرين في نحو (18) مدرسة أساس، ونحو (8) مدارس ثانوية، بجانب وجود (4) مراكز صحية، و(45) وحدة مائية، و(52) خلوة قرآنية، و(83) مسجداً وزاوية، ونحو (22) مسجداً مخصصة لصلاة الجمعة. ورغم حالة الاستقرار التي تلحظها ولا تخطئها العين وتوفير الأمن داخل وخارج المعسكر، إلا أن ثمة مطالب بالعودة إلى الديار الأصلية، وزيادة صرف الحكومة على التعليم والصحة، وتوفير المياه النقية للشرب، وهي ذات المطالب التي اندلعت من أجلها الحرب.