أخبار

أدب الاستقالة

{ استقال وزير الدفاع الليبي “محمد البرغثي” من منصبه؛ احتجاجاً على حصار مسلحين لمقار حكومية بالعاصمة طرابلس مؤخراً، حيث حاصر مسلحون وزارتي العدل والخارجية مطالبين بإقرار قانون العزل السياسي الذي يقضي بمنع رموز نظام العقيد “معمر القذافي” من تولي مناصب حكومية في أعقاب الثورة التي أسقطت حكمه. وقال “البرغثي” عقب إقرار المؤتمر الوطني الليبي بقانون العزل السياسي: (لن يكون بوسعي إطلاقاً قبول ممارسة السياسة بقوة السلاح). وانتقد الوزير المستقيل حصار المسلحين للمقار الحكومية قائلاً: (هذا اعتداء على الديمقراطية التي أقسمت على حمايتها). انتهي الخبر الذي احتفت به القنوات الفضائية الإخبارية أمس، في بادرة تؤكد الديمقراطية والشفافية التي تعامل بها الوزير الليبي؛ مما يعني أن ثقافة الاستقالة أياً كان سببها أو مسبباتها، تؤطر لمفهوم يشير إلى تفهم القيادات لإمكانيات عملهم وإدارتهم للمؤسسات بالشكل الذي يحترم سيادة الدولة وهيبة المسؤول فيها.
{ و”البرغثي” أرسل رسالة قوية المعاني لوزراء الدول العربية (المكنكشين) في المقاعد رغم أخطائهم المتكررة وتخبطاتهم المعروفة للقاصي والداني، علها تكون الصرخة الأولى من أجل إصلاحات وتغيير كبير وواسع في مفاهيم العمل السياسي الذي يصب في مصلحة البلاد، ليعترف أيٌّ من كان بخطئه ويعلن تنحيه فوراً ويغادر إلى مكان أصلح وأنفع له وللمواطن الذي يعيش تحت مسؤوليته.
{ في السودان الحال يغني عن السؤال، ومفهوم الاستقالة لم يندرج بعد في أضابير الوزارات والمؤسسات، والدليل التخبط الذي تعيشه معظم المؤسسات في ظل استمرار مسؤوليها واللا مبالاة التي يتعاملون بها مع البرلمان والمواطن للدرجة التي صارت حكاياتهم قصصاً حاضرة في المجالس العامة، ممزوجة بالنكتة الخفيفة التي تحلي المرارات التي يعيشها “محمد أحمد” في ظل التمادي الذي يُنتهج في ظل سياسة المحاباة والمحسوبية المتبعة في بعض الأمكنة.
{ دخل “خليل إبراهيم” إلى أم درمان نهاراً وغادر دون أن يستقيل أي من مسؤولينا أو يفكر في الاعتذار للشعب المسكين، واقتحمت الحركة الشعبية “هجليج” وفعلت الأفاعيل بمنشآتنا، ولم يتحرك أيٌّ من كان، من مقعده، وها هي الجبهة الثورية تتجول وتتضرع حتى “أم روابة” وتتلذذ بمأكولاتها وتغادر إلى “أبو كرشولا” وتحتل أراضيها وتتمدد وتزعزع استقرار بعض القرى و(الحلال) في جنوب كردفان وتعود إلى شماله، وكلٌّ مشغول بكرسيه، والصمت سيد للمكان والزمان.
{ ارتفعت أسعار السلع وصعد من بعدها الدولار والهدوء يرد على الهمهمات، والتهكم والسخرية اللاذعة يطلقها المواطن المسكين في الشارع ليخفف بها على أوجاعه وأحزانه، ولا حياه لمن تنادي، وأعلن المراجع العام سلسلة من التجاوزات والتغول على أموال الدولة والمال العام ولم نسمع عن أي محاسبات أو عقوبات أو استقالات!!
{ ماتت “الزينة” ومات من بعدها وقبلها الكثيرون بسبب ما يحدث في الحقل الطبي، والجاني يتحرك كيفما يشاء ويصرح ويطلق الحديث على عواهنه. أمّا الاستقالة فهي أبعد النقاط التي يمكن أن تدور في مخيلته في أي لحظة من اللحظات.. وانهارت كثير القيم والجميع يتفرج كأن شيئاً لم يحدث.
{ انهار  السلم التعليمي وتدهورت الصحة، وغابت الرقابة والمحاسبة ومبدأ الاستقالة في آخر الأجندة، وكأن شيئاً لم يكن، وعليه فإن الاستقالة خبر نفرح به عندما نسمعه عبر الفضائيات وتتمعن أعيننا في المواقع المختلفة، لأن الواقع يبين أن أدبها لم يدق أبوابنا بعد.
{ الاستقالة مشروع إستراتيجي عظيم يضمن ضمن مقررات سياسة الشعوب المتحررة ويُدون في كتب التاريخ ليشير من خلالها إلى عظمة الشخصية وتمكن الدولة من الاحتفاظ بمقاييس الميزان وثبات السعة قبل أن تنهار المفاهيم في لحظة ويختلط الحابل بالنابل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية