بعد دفنه أمس.. بأي ذنب قُتل ناظر دينكا نقوك بأبيي؟!
وسط الطقوس الشعبية والحشود الكبيرة التي توافدت من مختلف مناطق أبيي وولايات بحر الغزال وأعالي النيل والوحدة وعاصمة دولة جنوب السودان جوبا تمت مواراة جثمان الناظر “كوال دينق مجوك” الثرى داخل مدينة أبيي، والكثيرين انخفضت أياديهم قليلاً من أعلى صدورهم بعد سماع نبأ مقتل السلطان “كوال”، ولكن يبدو أن قيادة البلدين استشعرت بقرون الاستشعار خطورة الاستمرار في توتر الأوضاع ما جعل الرئيسين “البشير وسلفاكير” يؤكدان على ضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار بين الدولتين وتفعيل كل الآليات الخاصة بتحقيق العدالة والاستقرار.
شح مياه
وربما سيطرة نبأ مقتل “كوال” جعل الكثيرين ينظرون للحدث دون التركيز مع الأسباب الأساسية التي أدت إلى التطورات الأخيرة سيما وأن صحف الخرطوم التي صدرت في اليوم السابق لمقتل “كوال” كانت تحمل في صفحاتها الكثير من تفاصيل القتل ونهب الأبقار، ما جعل (المجهر) تتوجه للبحث عن الأسباب الرئيسية للأحداث التي على ضوئها قتل الناظر “كوال”.
وفي ذلك تضاربت الروايات الشعبية، فالكثيرون يصورون الأحداث الأخيرة على أنها جزء الصراع حول تبعية الأرض، لكن ناظر المسيرية “مختار بابو نمر” يقول لـ(المجهر) إن المنطقة تعاني من شح في المياه في الفترة الحالية مما يدفع المسيرية للسير بأبقارهم جنوباً في فترات سابقة حتى بحر العرب، ومضى الى التأكيد بأن الظروف الأخيرة جعلت العرب يتوجهون للمطالبة بفتح عدد من (الدوانكي) في منطقة (تاج اللي)، مبيناً أن قائد القوات الأثيوبية استجاب لذلك، ولكنه وبحسب الناظر “مختار” فإنه وفي اليوم ذاته قام دينكا نقوك بسرقة (600) بقرة بصحبة رعاة المسيرية من المزاغنة وساروا بها جنوباً. وقال إن المسيرية اتصلوا بالناظر “كوال دينق مجوك” وإخطاره بالحادثة والمطالبة بإعادة الأبقار ولكن “كوال” –بحسب نمر- لم يهتم. وقال “نمر” إن الطرفين شكلا لجنة تضم (9) من المسيرية ومثلهم من دينكا نقوك لحل مشاكل سرقة الأبقار من هنا وهناك والقتل، وقال إن تلك اللجنة طلبت من قائد القوات الأثيوبية أن لا يأتي الناظر “كوال دينق مجوك” إلى مناطق المسيرية لأنه منع المسيرية وأبقارهم من الدخول إلى أبيي، وزاد بالقول: (قلنا للقائد الإثيوبي إن كوال إذا حضر الى مناطق المسيرية تتحمل أنت مسؤولية ما يحدث)، ومضى “نمر” في الرواية وقال: “إن يوم (السبت) الماضي الذي صادف يوم التسوق في منطقة “قولي” التي تبعد 25 كيلو متر عن أبيي شاهد المسيرية الناظر “كوال” في منطقة “قولي” وذهبوا وحاصروه وطالبوه بإعادة الأبقار المسروقة، وقال إن القوات الإثيوبية لأنها (عجم) لم يتمكنوا من التعامل مع المسيرية ولم يفهموا ما يقولون ما دفعهم الى إطلاق النار في الهواء، وكانت ردة فعل المسيرية أن تبادلوا معهم إطلاق النار وحدث ما حدث، وقال الناظر “مختار” إن مقتل “كوال دينق مجوك” لا يفيد المسيرية في شيء لأنهم يعتبرونه من شخصيات المسيرية البارزة لكونه يشارك في مؤتمرات المسيرية ويفهم عاداتهم.
وروايات أخرى تقول إن فزعاً تحرك من المسيرية بعد سرقة أبقارهم وأنه في الطريق قام بقتل (2) من دينكا توج في منطقة تاج اللي واعتبروهم جزءاً ممن قاموا بسرقة أبقارهم، ولكن الروايات تقول إن القوات الإثيوبية تدخلت واعتقلت (9) من المسيرية الذين خرجوا في الفزع وقادتهم إلى رئاسة البعثة بأبيي وتم إطلاق سراحهم بعد لاحقاً.
وتقول رواية أخرى إن القوات الإثيوبية كردة فعل لما حدث قامت بإغلاق مصادر المياه (دوانكي) في المنطقة وإرجاع المسيرية وأبقارهم إلى الخلف في “دفرة” و”الدائر الجنوبي” مما خلق وضع مأساوياً للمسيرية في قضية مياه الشرب للإنسان والحيوان، وتقول الروايات إن المسيرية سيطر عليهم شعور بأن القوات الإثيوبية تستهدفهم وأنها غير محايدة في التعامل معهم، ويستدلون على ذلك في مجالسهم بأن المسيرية حينما سرقوا أبقاراً من الدينكا فإن القوات الإثيوبية قامت بإرجاعها لهم في ساعات محدودة.
اجتماع طارئ
تلك الأوضاع وغيرها جعلت قائد القوات الإثيوبية يتوجه لدعوة لجنة الإشراف المشتركة من جانب السودان وجنوب السودان لاجتماع طارئ بأبيي، وتركزت بنود الاجتماع على مناقشة بند الأوضاع الأمنية فقط دون سواه، وقدم بذلك تقرير من قبل قائد القوات الإثيوبية تناول الظواهر التي وقعت، ولكن البعض أبدى ملاحظات على التقرير بأنه تجاهل المسببات الرئيسية للأحداث وهي سرقة الأبقار وإعادة المسيرية للخلف، ويرى البعض أن المشكلة التي وقعت فيها القوات الإثيوبية أنها لم تشرك اللجنة المشتركة لأبيي من السودان وجنوب السودان في إعداد التقرير، وعلى الرغم من ذلك اتفق المجتمعون على ضرورة أن تكون أبيي منطقة منزوعة السلاح، وعقد مؤتمر للتعايش السلمي والمصالحات بين المسيرية ودينكا نوك خلال (21) يوم بأبيي لمعالجة الإشكالات الأمنية.
وتقول الروايات إن وفد الجنوب لم يغادر “أبيي” عقب نهاية اجتماعات لجنة الإشراف وقام صباح (السبت) (4) مايو بعقد اجتماعات في مدينة “أبيي” مع مجتمع دينكا نوك ومن ثم قاموا يرافقهم قائد القوات الأثيوبية بجولة في المنطقة الشمالية لمنطقة “أبيي” من “تاج اللي” إلى “قولي” و”الدائر الجنوبي” وتناولوا وجبة الغداء في “دفرة” في موقع القوات الإثيوبية، وتناقل المواطنون على طول الطريق من “أبيي” إلى “دفرة” خبر زيارة وفد الجنوب إلى مناطقهم، وتقول الروايات إن المسيرية أصلاً كانوا في حالات تجمع بسبب سوق (السبت) وتناقلوا معلومة وصول وفد من دينكا نقوك بقيادة الناظر “كوال دينق مجوك” وبدأت تحركاتهم إلى طريق مرور الوفد وتم إيقاف الوفد في طريق عـودته إلى “أبيي” في منطقة الكبرى (2) كلم شمال مدينة “قولي”، وتقول المصادر إن القوات المسلحة تدخلت وقامت بإرسال اثنين من كبار الضباط المشاركين في المراقبة المشتركة بأبيي لإنهاء إحتجاز الوفد، ودخل الضابطان العقيد ركن “عمر مصطفى”، والمقدم ركن “عصام أيوب”، فور وصولهم في عملية تفاوض مع المسيرية الذين كانوا يطالبون الأمير “كوال دينق” بإرجاع أبقارهم أو الرجوع والبقاء في “دفرة” لحين إرجاع الأبقار وأفادوا بأنه ليس لديهم اعتراض على مواصلة بقية الوفد الجنوبي وقائد القوات الإثيوبية مسيرهم لأبيي.
خروج عن الشبكة
وتقول روايات أخرى غير رسمية رددها بعض شهود العيان إن قائد القوات الإثيوبية طلب إمداداً من قواته محاولاً استعمال القوة في حال فشلت جهود الوساطة بين المسيرية والأمير “كوال”، وفي تلك الأثناء وصلت قوات المساعدة التي طلبها قائد القوات الإثيوبية من “قولي” و”دفرة”، وتفجرت الأوضاع مباشرة فور البدء بإطلاق النار بين القوات الإثيوبية والمسيرية وعندها تمت عملية إخلاء الوفد بالقوة واستمرت عملية نظافة الطريق لأكثر من ساعتين حتى الوصول إلى “أبيي”، وفي تلك الأثناء تم إرسال قيادات من الإدارة الأهلية من “الداير” و”دفرة” في محاولة للسيطرة على المسيرية نسبة لأن منطقة الأحداث تقع خارج تغطية شبكات الاتصالات .
ويقول ناظر المسيرية “مختار بابو نمر” إن القائد الجديد للقوات الإثيوبية لا يعرف التفاهم ولا التعامل مع الناس بعكس القائد السابق، ويقول شهود عيان إن ممارسة الاعتقال والضرب بالعصي للمسيرية والدينكا على السواء تشكل واحداً من أسباب التوتر.