إنهم يحاربون المستثمرين
{ يواجه المستثمرون (الأجانب) في السودان جملة من المعوقات، وسلسلة من العراقيل، دفعت بعضهم إلى مغادرة البلاد، والبحث عن دول أخرى تشجعهم وتحفزهم على الاستثمار بأراضيها خدمة لمواطنيها، ودعماً لاقتصادها، وعلى رأس هذه الدول (المحفِّزة) جمهورية “إثيوبيا” المجاورة التي بدأ يتسرب إليها خلال الشهور الماضية عدد مقدر من المستثمرين (الأجانب)، ورجال الأعمال السودانيين، يتزايدون يوماً بعد آخر.
{ المشكلة ليست في قانون الاستثمار (السوداني) – كما يقول لي مستثمر أجنبي – لأنه قانون جيد، بل (رائع) على حد وصفه، والمشكلة ليست في نسبة الضرائب المفروضة عليهم، فالحكومة الإثيوبية تفرض نسبة (30%) على أرباح الأعمال، بينما حكومة السودان تكتفي بـ (15%)، أي (النصف)!!
{ المشكلة – حسب رأيهم – في تطويل وتعقيد الإجراءات، وتعدد الجهات (الجابية) وعلى رأسها (المحليات) التي تفرض عليهم – مثلاً – رسوم (عوائد) بدون لوائح، أو قوانين، بل أرقام (جزافية) تهبط على رؤوسهم وجيوبهم (بالقوة)، وبدون تنسيق مع هيئات ومفوضيات الاستثمار!!
{ صاحب شركة (أجنبي) حكى لي أن محلية كذا، طالبته بدفع رسوم (عوائد) تبلغ (خمسين ألف جنيه) – مليون – بينما كانت المطالبة في العام (السابق) خمسة آلاف جنيه..!! وعندما تساءل عن سبب الزيادة الخرافية الجزافية، أجابه الموظف: (يا أخي.. إنتو شغالين كويس)!!
{ في إثيوبيا، الوزير، بل رئيس الوزراء، يستقبل المستثمرين بنفسه، ويحدد لشكاواهم رقم فاكس داخل مكتبه، ويفتح لهم الأبواب واسعة لإنشاء المشروعات دون تضييق من جهة، ولكن وفق سياسات الدولة، فالاستثمار الزراعي تم تحديده مؤخراً في نطاق (4) محاصيل فقط، تمثل حاجة الدولة، وليس رغبة المستثمر.
{ الأهم من ذلك أن الحكومة الإثيوبية توجه موظفيها بتسهيل وتسريع الإجراءات، خلافاً لسياسة (أمشي وتعال بكرة.. وبعد أسبوع.. وبعد شهر) المعمول بها في دواوين الدولة السودانية (طويلة البال)!!
{ هل تصدقون أن مصنعاً ضخماً للصناعات الدوائية بولاية الخرطوم يمتد على مساحة (عشرة آلاف متر مربع)، وتم تصميمه على أحدث المواصفات العالمية، ظل ينتظر لأشهر تعقيدات (مجلس الصيدلة والسموم) لتسجيل الأدوية، رغم جاهزية (العينات) للاختبار؟!
{ بنك السودان يوفر سنوياً مئات الملايين من الدولارات لاستيراد (الدواء)، وبعض تجار الدواء يحصلون على (الدولارات)، ولا يستجلبون الدواء، ثم يقولون (البنوك لم توفر لنا دولاراً)!! فلماذا يتأخر، و(يتمحرك) المجلس القومي للصيدلة والسموم في تسجيل الأدوية المنتجة (محلياً) أو المستوردة؟!
{ تجولت قبل أشهر لمدة ساعة كاملة في أنحاء مصنع للصناعات الدوائية بالخرطوم بحري وهو استثمار (سعودي – يمني)، فأدهشني حجم المصنع، وتجهيزاته، وماكيناته، ومختبراته، ومستوى النظافة، والتعقيم والترتيب، ورأيت كميات المواد الخام المستجلبة من أوروبا وأمريكا (بالنقد الأجنبي)، وتعجبت أن أجد إدارة المصنع تنتظر (الدور) أو (الصف الطويل) لاعتماد عيناتها من السادة مجلس الصيدلة والسموم!
{ لماذا تشردون المستثمرين؟.. لماذا تنفرون (الأجانب) من الاستثمار في بلادنا؟