احداث أم روابة .. تفاصيل يوم ساخن جداً بالبرلمان رغم غياب وزير الدفاع!!
سخونة طقس ظهيرة أمس القائظ، لم تكن أقل سخونة من غضب بائن تبدى في تقاطيع وتصريحات قادة البرلمان داخل ردهات الهيئة التشريعية، التي كان ينتظر نوابها تنويراً من ووزير الدفاع الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” الذي غادر إلى مدينة الأبيض لترتيب الرد على الجبهة الثورية، حسب ما أبلغ رئيس البرلمان “أحمد إبراهيم الطاهر” الصحافيين في مؤتمر صحافي عقده بعد نهاية الجلسة التي لم تستمر أكثر من ساعة ونصف الساعة، اضطروا فيها إلى الاستماع لبعض التقارير المتعلقة بالهجوم على مدينة أم روابة.
{ أحاديث ساخنة جداً
تصريح رئيس البرلمان أمس في رده على سؤال حول سحب الثقة من وزير الدفاع وهل ثمة مسؤول محصن من هذا الأمر؟ قال: (ليست هناك حماية لأي شخص من أن ينال جزاءه إن قصر)، واتفق معه في ذات الأمر رئيس كتلة نواب المؤتمر الوطني السابق د. “غازى صلاح الدين” الذي قال إنه يمكن سحب الثقة من وزير الدفاع، ولكن هناك إجراءات خاصة بذلك، بيد أن المهندس “عبد الله مسار” كان أكثر حدة، وقال في حديثه لـ(المجهر) إن ما تم يستدعي إقالة وزير الدفاع وهيئة القيادة كافة، ومحاسبة الأجهزة الأمنية.. كل تلك التصريحات التي كانت أشد سخونة من الأجواء، برهنت على أن خارج قبة البرلمان كان أشد سخونة من داخلها.
ويبدو أن الضجر قد بلغ مداه عند رجل المراسم المسؤول عن قرع جرس الجلسة للنواب إيذاناً ببدئها بعد أن تجاوزت الساعة الحادية عشرة والربع صباحاً ومعظم النواب يتوزعون في أرجاء المبنى العتيق، ولهذا فإنه في المرة الأخيرة استمر في قرع الجرس بطريقة متواصلة لإبلاغ احتجاجه أو احتجاج رئيس البرلمان على تأخر دخول النواب، الذين يبدو أن ضيقاً آخر قد غشاهم إثر تسريب أخبار عن سفر وزير الدفاع إلى الأبيض، وبالتالي غيابه عن الجلسة التي رأت إدارة المجلس الوطني أن تكون مغلقة وسرية، في وقت جلس فيه أغلب الصحافيين ومراسلي الوكالات الأجنبية في الجهة على المساطب الخراسانية لمدة تزيد عن الساعتين، علهم يظفرون بخبر أو نبأ يزيل الغموض الذي يكتنف القبة.
{ “الطاهر” يلمح ويتوعد ويكشف
ما أن انتهت الجلسة التي استمرت إلى ما يقرب من الساعة ونصف الساعة، حتى انتحى عدد من الصحافيين ببعض النواب لمعرفة ما يدور داخل الجلسة التي غاب عنها وزير الدفاع، وقبل أن تكتمل تصرياحت أغلبهم لوسائل الإعلام المختلفة دعاهم رئيس البرلمان “أحمد إبراهيم الطاهر” لإزالة ما عانوه من لبس جراء قرار سرية الجلسة، وما أن انتظم الجميع داخل القاعة المخصصة للاجتماعات حتى خرج إليهم رئيس البرلمان متحدثاً، وبدأ حديثه بالترحم على أرواح الشهداء في أم روابة وشمال كردفان، وقال إن الحادث يتعدى الرهد وجنوب وشمال كردفان وكرشولا وأم روابة إلى كل السودان، عاداً كل ذلك حلقة من سلسلة التآمر على السودان الذي أعدت له العدة فيما يسمى بالجبهة الثورية بتسليح ودعم خارجى كبير، وأن تنتشر القوات في دارفور وكردفان. وأوضح “الطاهر” أن حادث الهجوم على أم روابة نوعي كونها منطقة لم تشهد أي اعتداءات مماثلة من قبل، لذلك فإن وقعه كان كبيراً على الجميع، كاشفاً عن ما دار في الجلسة المغلقة، وقال إن المجلس استمع إلى تقارير من اللجنة التي ابتعثها البرلمان إلى أم روابة برئاسة رئيس لجنة الأمن والدفاع ونائبه ورئيس لجنة الشؤون، كما استمع إلى موفد الهيئة البرلمانية إلى شمال كردفان “محمد بريمة” الذي قال إنه أتى بتقرير مفصل. وأبان رئيس البرلمان أن الجلسة كانت معدة للاستماع إلى وزير الدفاع إلا أنه اتصل به أمس الأول (الأحد) لإبلاغه نيته في التوجه إلى منطقة العمليات للرد على هذا العدوان، مشيراً إلى أنهم آثروا أن يتوجه للأعداء على أن يتم تأجيله إلى يوم غد الأربعاء ليتداول المجلس فيه ويقرر بشأنه.
وأكد “الطاهر” أنهم قد عقدوا العزم على مواجهة العدو بكل حزم وقوة، وسيتم تسخير كل إمكانات الدولة للقضاء على ما يسمى بالجبهة الثورية، مشيراً إلى أن هذا الاستهداف مقصود به السودان في المقام الأول، قاطعاً بأن القوات المسلحة قادرة على ردعهم، داعياً الإعلام إلى الوقوف معهم في المعركة، مؤكداً أن المجلس الوطني سيكون ضمن منظومة الرد التي قال إنهم وعدوا بها الحكومة لمواجهة هذا العدوان، وأردف: (سنستمع في الجلسة القادمة لوزيري الدفاع والداخلية لمعرفة ترتيبات المرحلة القادمة).
وأبلغ “الطاهر” الصحافيين أن الجهات الخارجية المشاركة في الهجوم هي يوغندا التي قال إنها وكيل لدول أخرى، وأضاف كانت الجبهة الثورية تدعم من الجنوب ولكن بعد اتفاق المناطق العازلة انقطعت عنهم خطوط الإمداد، وهو ما ستستفيد منه القوات المسلحة بإلحاق الهزيمة بالجبهة الثورية والقضاء عليها.
{ “غازي صلاح الدين” يدعو إلى برلمان قوى
الدكتور “غازي صلاح الدين” الذي بدأ حديثه بممازحة الصحافيين الذين طالبوه بتقديم إفاداته حول الهجوم على بارا قائلاً:(أنا جاي هسع ما عارف حاجة هي بالله أم ر وابة هاجموها متين يا أخوانا الكلام ده..)، وهو الأمر الذي جعل الصحافيين يطلقون الضحكات المتتابعة ثم أتبعوها بإمطاره بالأسئلة، إلا أنه كان حذراً في معظمها وأبلغهم ضرورة انتظار الاستماع إلى تقرير وزير الدفاع بعد عودته من مناطق العمليات، قائلاً: (خلي النواب يعبروا عن رأيهم بحرية لازم تعرض الحقائق ولازم يكون وزير الدفاع موجود أمام الجلسة، هذا هو قرار البرلمان الآن حتى يتم تحميل المسؤولية للجهة التي تتحملها)، وأردف: (وعندما يأتي وزير الدفاع سيكون لدينا حديث تاني)، وحول حتمية وجود برلمان قوي قال د. “غازي” بكلمات قوية وواضحة: (مقابل جهاز تنفيذي قوي يجب أن يكون لديك برلمان قوي، وهذه تعتمد على قيادة البرلمان.. هل توجد نية لكي يكون هناك برلمان قوي؟؟) وأردف: (نحن مع وجود برلمان قوي يحاسب الجهاز التنفيذي ويراقبه، ولابد أن تكون قيادة البرلمان متفقة مع هذا الاتجاه).
{ “غندور” والملف الشائك
تعثر المفاوضات هو ما أفضى إلى حالة الاحتقان والهجوم على أم روابة، ولعل الغوص في ثنايا ما تم في العاصمة الأثيوبية هو ما دفعنا إلى د. “إبراهيم غندور” الذي ترأس وفد الحكومة المفاوض مع قطاع الشمال، الذي كان يحث الخطى داخل ردهات البرلمان، وتحدث لمدة أربع دقائق فقط للصحافيين دون أن يسمح لأحدهم بتوجيه سؤال، وربما رأى أن ما دفع به كان كافياً، قائلاً: (ذهبنا بقلب مفتوح إلى أديس أبابا نحمل حلولاً واضحة للقضايا التي طرحتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بناءً على التفويض المؤسس 2046 وقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقى الثلاثة في 2012م وآخرها في مارس 2013م وتتعلق بكل الترتيبات الخاصة بالشأن الإنساني والترتيبات الأمنية والعسكرية، والشأن السياسي، ولكن الطرف الآخر لم يكن جاداً في طرحه.. جاء حسب ما ذكر أنه يحمل تفويضاً واحداً يطالب فيه بوقف إطلاق نار فقط وغير محدود الوقت، بل يبدأ بستة أشهر ويستمر لإغاثة المواطنين فقط، ونحن أكدنا أن هذه محاولة لإعادة شريان الحياة سيء الذكر الذي أطال أمد الحرب في الجنوب، وهو محاولة لتشوين المقاتلين فقط وملك الوقت لاستمرار الحرب، وبالتالي استمرار معاناة المواطنين.. مقابل هذا الطرح أكدنا استعدادنا التام لتطبيق الاتفاقية الثلاثية التي وقعها الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية مع المتمردين في الرابع والخامس من أغسطس مع الحكومة، وللأسف تنصل الطرف الآخر من هذا الأمر الشيء الذي أكد لنا أن القضية ليست إغاثة المواطنين وإنما تشوين المقاتلين لاستمرار الحرب، وهذا أمر مرفوض، والطرف الآخر أكد أنه لا يحمل تفويضاً في قضية الترتيبات الأمنية أو قضية الترتيبات السياسية، وهو الأمر الذي جعل الوساطة مستاءة جداً من هذا الأمر، وبالتالي رفعت المفاوضات وقالت إنها لن تعيد الطرفين إلى التفاوض ما لم يكن الطرف الذي جاء يحمل الشأن الإنساني مفوضاً لحل القضية نهائياً، ونحن أكدنا بأننا جئنا نحمل ورقة مكتوبة حول الثلاثة محاور، قدمناها للآلية، وقدمنا منهجاً للتفاوض وطريقة للحوار حول كل القضايا، وما جرى في مدينة أم روابة وغيرها في جنوب وشمال كردفان هو حقيقة أمر متوقع من حركات تدعي زوراً أنها تعمل من أجل المواطن المسكين، ولكنها تأتي فتفجر صهاريج المياه والكهرباء وتحطم رئاسة القضاء وغيرها من المنشآت، بل غير ذلك المواطن المسكين المغلوب على أمره، تنهب البنوك والمتاجر، ويُقتل الأبرياء ويجرحون.. نحن نواسي أهلنا في تلك المناطق، ونؤكد أن أية محاولة لفرض أمر واقع اعتقاداً بأن هذا سيعطي الفرصة لتنازلات غير مقبولة أو تؤدي إلى سلام زائف، ويكون سلاماً مؤقتاً ثم تعود الحرب إلى ما كانت عليه، فهذا غير متاح وغير موجود). وأردف “غندور”: (نحن نؤكد ثقتنا في قواتنا المسلحة والقوات الأمنية والمجاهدين، والقوات المسلحة تقاتل التمرد منذ قبل استقلال السودان.. نعم تفقد بعض المعارك، ولكنها لم تنهزم يوماً، تعود إلى الساحة منتصرة قوية.. لن يكون متاحاً تقديم تنازلات على حساب المواطنين، ونؤكد أننا مع إغاثة المواطنين المحتاجين، لكن وفقاً لسيادة الدولة.. نحن مع إيقاف الحرب، لكن على أساس قومية القوات المسلحة ولا جيش آخر مع الترتيبات السياسية، ولكن لا تعطي من يحمل السلاح فقط حقاً لا يستحقه لأنه يحمل البندقية).. انتهى حديث “غندور”، غير أن ثمة أحاديث لم تنته بعد حول تأثير هذا الهجوم على جولة المفاوضات القادمة.