رأي

عامان مضيا منذ تفجر ثورات الربيع العربي (6)

نواصل عرض المداخلات في ندوة تدشين كتابي (الربيع العربي.. ثورات لم تكتمل بعد).. أمسية الأربعاء الثلاثين من يناير 2013م، والمتحدث الثاني – بعد الإمام الصادق – كان البروفيسور “عبد الله علي إبراهيم”، وهو أستاذ جامعي ومفكر سياسي ينتمي إلى قبيلة اليسار، ويمتاز بالذكاء والأصالة في طرح أفكاره. 
بدأ البروفيسور حديثه يمازح الكاتب، معلقاً على ما قاله السيد “الصادق المهدي” في مداخلته (بأنه يتفق مع الكاتب في عشر نقاط ويختلف معه في سبع نقاط)، بأن هذه النسبة تعتبر درجة نجاح كبيرة حسب المنهج الأمريكي.
ويقول البروفيسور “عبد الله علي إبراهيم”: إن مما يحمد للمؤلف أنه يتحدث في المسائل السياسية بطريقة مفاهيمية، وأهم ما تطرق له الكاتب في هذا الإطار تعمقه في تعريفه للفوضى الخلاقة والمجتمع العميق أو الدولة العميقة، وهي الدولة التي إذا ما اختفى رئيسها أو رأسها يبقى النظام موجوداً، لأنه متجذر في الأجهزة الأمنية والسياسية والتنفيذية، فيصعب اقتلاعه، كما هي الحالة في مصر. وتطرق لما ذكره الكاتب عن دور الأزهر في ثورات الربيع العربي، ورغم أنها (هبشة خفيفة)، لكنه تمنى لو كان الكاتب قد ابتعد عن ذلك، مشيراً إلى بعض مواقف الأزهر كموقفه في رواية (وليمة أعشاب البحر). وأضاف أن مما أعجبه في الكتاب شرح بعض الكلمات العربية، مثل (إيلاف)، وهي أقل من (حلف)، وأن تركيز الكاتب على أن إسرائيل هي العدو غير صحيح، فالإمبريالية الغربية هي العدو الأكبر، وإسرائيل عدو لاحق وليس العدو الأكبر، فهي – أي اسرائيل – ثمرة الدولة القومية الأوروبية التي رفضت إسرائيل.
ونادى البروف بالتعمق في تجارب الإسلاميين في تركيا وماليزيا وإيران، خاصة في جوانب الحريات والجانب الاقتصادي، وقال: علينا أن لا نكفي بتذنيب “أتاتورك”، بل ننظر إلى علمانيته بشيء من العمق. وقال إنه لا يوجد في الكتاب تجسير بين القديم والمعاصر، فالنجاشي (القديم) عاد في شكل مذهب النجاشية الذي ظهر حديثاً في لبنان وانتقل الآلاف إلى الحبشة، وأن هنالك اضطراباً بين مسألتين هما (بالإسلام) و(للإسلام). وقال إن هنالك حديثاً عن دولة مدنية ولكن لم يشرح مفهومها، ولفت النظر إلى ما يجري في مصر بعد الثورة وما يجري في شمال مالي، وأضاف أن بروتكولات صهيون (الكتاب) من صنع المخابرات الروسية.
{ المتحدث الثالث الدكتور “عصام أحمد البشير”، أطلق في كلمته دعوة واسعة لإصلاح الحكم في البلدان العربية والاسلامية، وذكر أن طبيعة الحياة تحتاج للإصلاح، وقطع بأن من لم يبادر بالإصلاح فإن الاصلاح سوف يفرض عليه. وأضاف أنه ليس بمقدور حزب أو جماعة الاستفراد بالحكم، وقال: ليس لأي حزب أو جماعة (شيك على بياض)، وأن الحكومة التي تعتمد على البطش والقهر سرعان ما تتهاوى أمام إرادة الشعوب. ورأى أنه كان من الأفضل للإخوان المسلمين في مصر عدم التقدم بمرشح لهم لرئاسة الجمهورية، وكان عليهم التريث وتقديم البديل المعقول، مثل عبد المنعم أبو الفتوح الذي خرج من صلب جماعة الإخوان المسلمين. وانتقد تعريف الإمام “الصادق المهدي” للثورات العربية وإطلاقه لفظ (الفجر الجديد) عليها، وقال الدكتور “عصام أحمد البشير” إن إطلاق لفظ (الربيع العربي) مناسب وصحيح، واستشهد بأبيات من الشعر العربي جاءت في وصف الربيع منها:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً 
من الحسـن حتـى كاد أن يتكـلما
وقال الدكتور إن التحديات تكمن في إرادة التغيير، وقد حدثت، ثم إدارة التغيير، وهو ما لم يتم بعد. وعن موضوع إيران وعلاقتها بثورات الربيع العربي قال الدكتور “عصام”: (هذا موضوع اذا اقتربنا منه احترقنا) الأفضل أن نبتعد عنه في الوقت الحاضر.
واختتم كلمته بقوله: (إن الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل قد استفاد كثيراً من تجربته في وزارة الخارجية ودراسته للعلاقات الدولية).
وبعد انتهاء المتحدثين الرئيسيين الثلاثة فتح رئيس الجلسة البروفيسور “علي أحمد شمو” الباب للمداخلات من الحضور وكان أولهم المحامي “غازي سليمان”..
قال المحامي “غازي سليمان” إنه يختلف مع الكاتب ومع الإمام “الصادق المهدي”.. فما جرى ليس فجراً جديداً بل هو فجر كاذب، وهو ليس عربياً بل هو من عمل الاستخبارات الغربية، وليس للإسلاميين دور فيه. ويرى أن المسألة أكبر بكثير مما ننظر إليه. وامتدح تجربة مصر، وهو يرى أن الإخوان المسلمين أتوا عن طريق صناديق الاقتراع التي يريدها الغرب، وأنه – أي المحامي “غازي سليمان” – مع الرئيس “مرسي”، وأشاد بـ “راشد الغنوشي” في تونس. وذكر أنه قرأ الكتاب صفحة صفحة ولديه ملاحظات في صفحتي (73) و(74)، وقال إن الكاتب يتحدث عن جماعة ينتمي إليها وصعدت للحكم، وأن الأنظمة التي سقطت أنظمة وطنية كانت فاسدة ومستبدة ولكنها سقطت بدعم غربي.
{ المداخلة الثانية كانت من نصيب الدكتور “إبراهيم الأمين”، (الأمين العام لحزب الأمة القومي المعارض)، فذكر أنه يختلف مع المحامي “غازي سليمان”، ويرى أن اسرائيل موجودة في قلب الأحداث، ولديها المشروع الإسرائيلي ولها مصلحة في الصراع الحالي، ويتفق مع الرأي القائل بتآكل المشروع العربي، وأن المشروع الإسرائيلي والمشروع الأوربي والمشروع الأمريكي كلها مشروع واحد. وتحدث عن أهمية التحول الديمقراطي، وتساءل عن مدى التزام الجماعات والتيارات الإسلامية بذلك.
{ المداخلة الثالثة كانت من الدكتور “أحمد بلال”، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي ووزير الثقافة والإعلام في الحكومة الحالية. واتفق الدكتور مع الكاتب في التناول التاريخي للعرب، وأن الكاتب قد انتهج نهجاً علمياً في تناوله للموضوع، وأمّن على حديث الدكتور “عصام أحمد البشير” على أن الحوار هو الطريق الوحيد لمعالجة المشكلات، وليس بمقدور جماعة واحدة أو حزب الانفراد بالحكم أو بعملية التغيير. ويرى أن الكاتب استفاد من تجربته الكبيرة في العلاقات الدولية مما سهل عليه طرح مثل هذه المواضيع.
{ المداخلة الرابعة كانت من نصيب بروفيسور “بركات موسى الحواتي”، المفكر السياسي والأكاديمي، فقال: الكتاب إضافة حقيقية للمكتبة السودانية ولطلاب العلم ودارسي العلاقات الدولية. وأشاد بالجزء الخاص بالتاريخ العربي منذ الجاهلية، ويرى أهمية اصطحاب الحضارة النوبية. وتمنى لو أن الكاتب تحدث عن مفهوم الثورة في المدارس المختلفة، اليسارية والإسلامية. وختم مداخلته بالإشارة إلى أن الكاتب استفاد من كونه وزيراً سابقاً للخارجية وأميناً عاماً لمجلس الصداقة الشعبية العالمية.
{ ثم توالت المداخلات، ونذكر منها مداخلة البروفيسور “عبد الله حسن زروق”، الذي انتقد أداء الحكومة السودانية وأداء المعارضة السودانية التي وصفها بأنها تفتقر للرؤية الواضحة.
{ وتحدث “ضياء الدين الماحي” عن دور الشباب، وقال إن تغييرات الربيع العربي فتحت نار جهنم على الحكومة، وألقى قصيدة قصيرة، وختم بقوله: (يكفي الكاتب أنه أسمعكم صوتي).
{ وأشاد “الأمين علي الجزولي” (من القطينة) بالكتاب، ووصف الكاتب بأنه رجل مهذب. ثم متداخل آخر لم يذكر اسمه، وادعى أنه يمثل الشباب، وصوب نقده إلى حزب الأمة القومي وزعيمه السيد “الصادق المهدي”، وقاطعه مدير الجلسة لخروجه عن الموضوع.
{ وفي ختام الندوة تحدثت شاكراً الأخ “السموأل خلف الله”، مشيداً بمؤسسة أروقة وهيئة الأعمال الفكرية على تنظيمهما للملتقى وجمعهما لكوكبة من السياسيين والدبلوماسيين وأهل الفكر والإعلام على مختلف مشاربهم السياسية. وقلت: لا أدعي أنني من أولئك الكتاب الذين يشار إليهم بالبنان، ولكني حاولت بما توفرت لي من تجربة واطلاع أن أسجل ذلك بين الفينة والأخرى، كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً. وشكرتُ الذين أشادوا بالكتاب والذين انتقدوا بلطف، وكذلك الذين انتقدوا بقسوة، فتجربتي الطويلة علمتني الصبر على هذا وذاك، وقلت: البعض في مداخلاته خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وإن كان للكتاب حسنة واحدة تحسب له فهي بلا شك إثارة النقاش حول موضوع هو موضوع الساعة. وقدمت الكتاب للحضور باختصار شديد، وتحدثت عن المخاطر والمهددات التي تواجه ثورات الربيع العربي، ومنها التربص الغربي ومحاولة الالتفاف عليها بالثورات المضادة، وبإزكاء نيران الفوضى ومحاصرة هذه الثورات اقتصادياً وأمنياً. وتحدثت عن الدولة العميقة، وضربت مثالاً لذلك بما يجري في مصر. وذهبت إلى أن التغييرات الناتجة عن ثورات الربيع العربي ستحدث تحولاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلى علاقات العرب مع العالم. وأجبت على بعض التساؤلات والتعليقات التي جاءت في كلمات المتحدثين والمتداخلين، واختتمت بأن كل الملاحظات التي وردت في هذه الجلسة ستجد مكانها في الطبعة الثالثة للكتاب.
استاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية