هل سيكون الحساب (يوم الحساب)؟!
{ متمردو حركات دارفور و(قطاع الشمال) يعلمون – علم اليقين – أنهم وإن أفلحوا في دخول “أم روابة” لساعات صباح أمس الأول (السبت)، كما دخلوا قبل سنوات “حمرة الشيخ” في شمال كردفان و”غبيش” في غرب كردفان، و”الفاشر” في شمال دارفور عام 2003م، ودمّروا كل الطائرات الرابضة في مطارها، وأسروا قائد سلاح الطيران وقتها.. أو كما اقتحموا “أم درمان” – قلب العاصمة النابض – في مايو عام 2008م، أو احتلوا قبل أيام “مهاجرية” و”لبدو” في جنوب دارفور.. فإنهم بالتأكيد لا يستطيعون البقاء فيها طويلاً وضمّها لما يسمى (المناطق المحررة).. غير أن الهدف الأساسي هو إحداث فرقعة (إعلامية)، وإطلاق رسالة (عسكرية)، مفادها أن قواتهم قادرة على الوصول إلى جميع (الأعماق)، ولو لبضع ساعات.
{ ولا شك أن الخسائر (البشرية) و(المادية) و(المعنوية) التي منيت بها البلاد جراء هذه العمليات (الإجرامية)، كبيرة وقاسية، ففقدان نفس بشرية واحدة، بسبب (العجز) و(الإهمال)، حتى ولو على نقالة أو داخل غرفة عمليات في أحد مستشفيات “أم درمان”، أو “الخرطوم”، أو “بحري”، يستوجب المحاسبة والمساءلة، بل والمحاكمة، دون أدنى اهتمام بتبريرات الوزير الدكتور “مامون حميدة” الضعيفة بأن الأخطاء الطبية تحدث في أي مكان بالعالم، وأنها أمر اعتيادي!! موت مريض واحد بسبب خطأ طبي نتيجة (جهل) أو (إهمال) الطبيب الاختصاصي أو نائبه أو اختصاصي أو فني التخدير، دون محاسبة، يعني موت آخرين بالمئات في المستقبل عن طريق أخطاء (التشخيص) و(الجراحة) واللا مبالاة.. فماذا يعني موت وجرح العشرات وخسارة المليارات كلما دخل (متمردون) أوباش قرية أو مدينة من مدن السودان، كما فعلوا في “أم روابة” قبل يومين ؟!
{ عندما حاول عدد من ضباط (الجيش) و(الأمن) قبل خمسة أشهر تدبير محاولة (انقلابية) للإطاحة بالحكم، تم القبض عليهم، وحبسهم لأشهر، وتمت محاكمتهم بعد إدانتهم وتثبيت اعترافاتهم، إلى أن أصدر القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية المشير “عمر البشير” قراراً بالعفو عنهم، فهل حاسبت القيادة بالمثل الذين قصروا وتسببوا في سقوط “هجليج” بأيدي قوات الجيش الشعبي (الجنوبية) وإسناد حركات دارفور، ما أدى إلى تكبيد البلاد خسائر مهولة في حقول النفط تقدر بمئات الملايين من الدولارات؟!
{ هل حاسبت القيادة وزيراً، أو ضابطاً، أو جندياً على أخطاء التأمين التي نتج عنها سقوط مساحات واسعة من محليات جنوب كردفان تحت قبضة متمردي (القطاع) المقطوع، ليتبجّح المدعو “ياسر عرمان” على وفد الحكومة المفاوض في “أديس أبابا” قائلاً: (نحن نسيطر على 40% من أراضي جنوب كردفان)!!
{ هل أقالت القيادة مسؤولاً واحداً و(قصف) مدفعية التمرد يتكرر على حاضرة جنوب كردفان “كادوقلي” الصابرة الحزينة من حين لآخر ؟!
{ الآن، وبعد دخول المتمردين “أم روابة” واحتلالها لمدة (4) ساعات طويلة، هل ستحاسب القيادة أحداً وتسأله كيف قطع هؤلاء (المجرمون) مئات الكيلومترات بعشرات السيارات من نوع (الدفع الرباعي) ليصلوا “أبو كرشولا” و”أم روابة”؟! وبعد أن وصلوا، ومكثوا هناك لأربع ساعات، كيف خرجوا سالمين.. غانمين، دون أن تعترض طريقهم (قوة) أو يقعوا في براثن (كمين) عاجل، لتتم (إبادة) كل القوات الغازية، وتصادر كل الأسلحة والسيارات، ويسقط قائد العملية “عبد العزيز الحلو” أسيراً.. كسيراً.. ذليلاً، وترسل كاميرات التلفزيون القومي لتصوير (طوابير) القتلى والأسرى وأرتال السيارات (الغنائم)، كما فعلت سلطات وأجهزة إعلام الرئيس الراحل “جعفر نميري” مع قوات (الجبهة الوطنية) المعارضة التي دخلت الخرطوم في يوليو عام 1976م في ما أسماها إعلام النميري عملية (المرتزقة)!!
{ كنا أطفالاً – في أم درمان – ولم ندخل المدرسة بعد، لكنني ما زلت أذكر (صور) طوابير القتلى (مكفنين) بالمئات، على شاشة تلفزيون السودان!! ومن يومها انكسرت جبهة “الشريف حسين الهندي” والسيد “الصادق المهدي” ولم تقم لها قائمة.
{ وبعد – سادتي – إذا صار دخول (المدن) اعتياداً، وأمراً لا يثير الدهشة، فإننا موعودون – لا محالة – بالمزيد من (الاقتحامات) و(الاختراقات) والهزائم.. موعودون بالمزيد من الانفراط والفوضى.
{ حماية البلاد والعباد فوق كل الحسابات، و(الولاءات) والعواطف.