الحاسة السادسة إحساس وقدرة خارقة على استشعار الأحداث
الحاسة السادسة أو الحدس من المصطلحات الشائعة التي نظل نسمع عنها بصورة دائمة، فالأشخاص الذين يتمتعون بهذه الحاسة لهم قدرات خاصة في استشعار بعض الأمور التي ستحدث وأخرى حدثت، وكأنهم يقرؤون المستقبل القريب الذي لا تفصلهم عنه عدد الثواني أو الدقائق أو الساعات، بل هي برهة من الزمن لتتجسد الصورة التي تخرج مسرعة على الخاطر، وتمثل الموقف أي كان نوعه حاضراً، ومن ثم تنبني ردود الأفعال عند هؤلاء الذين صدق حدسهم، وكثيراً من نسمع في عاميتنا أقوال على شاكلة ( قلبي حدثني ــ أو كنت حاسس ح يحصل كذا ـ وغيرها)، ويبقى أن المتفق عليه علمياً هو تفاوت هذا الإحساس من شخص لآخر. من خلال هذا التحقيق وقبل أن نتعمق مع علم الإدراك وعلم النفس، لابد من وقفة لتعريف (الحاسة السادسة).
ما هي الحاسة السادسة؟!
تعرف الحاسة السادسة بأنها عبارة عن معلومات يحصل عليها الإنسان عن طريق الأحلام أو من خلال شعور فجائي يسيطر عليه، أيضا من تعريفاتها أنها إحساس فطري لا إرادي بعيد عن المنطق يمنحك فرصة لمعرفة المجهول والتنبؤ بالمستقبل، علماً بأن العديد من الأشخاص يمتلكون هذه الحاسة، ولكن بدرجات متفاوتة.
وتعتبر الحاسة السادسة من الملكات الخارقة التي تتيح للأشخاص الذين يتمتعون بها قدرة على التخاطب وقراءة الأفكار واستبصار أحداث سابقة أو لاحقة، علماً بأن هذه القدرات تندرج تحت ما يسمى بـعلم الباراسيكولوجي، وهو فرع من مجموعة الظواهر الخارقة لقوانين الطبيعة.
وعلى الرغم من أن الباحثين لم يتوصلوا إلى اتفاق علمي مشترك بخصوص هذه الحاسة، إلا أن الغالبية منهم يؤكدون على أنها موجودة لدى كل إنسان بنسب متفاوتة، وأنها المصدر الأصلي لخواطر التفاؤل والتشاؤم التي تنتابنا بين الحين والآخر، إذ أن العقل يمتص باستمرار وبطريقة أوتوماتيكية الحقائق والمشاعر حتى من خلال التجارب والخبرات العادية.
كيفية استخدام الحاسة السادسة
وفي السياق قال البروفيسور “عبد العزيز مالك” أستاذ علم الإدراك وأمين الشؤون العلمية بهيئة علماء السودان، الحاسة السادسة الوحيدة من الحواس غير المرئية، فالحواس الخمسة مرئية ومعلومة، وهي في العقل ومعنية بالتنبؤ وقراءة المستقبل وإصدار التوقعات، كما إنها متأصلة في الفقه الإسلامي (اتقوا فراسة المؤمن فأنه يرى بنور الله) ــ أما في الأثر (ويا سارية الجبل) (أنبوءة بعد الرسول يا أمير المؤمنين؟ قال: لا بل إنها فراسة المؤمن).
واستطرد “بروف مالك” ونحن معنيون في علم الإدراك بفاعلية هذه الحاسة وضبط التعامل معها بعلم راسخ حتى لا تتحول لأداة مؤذية للبسطاء وخداع الناس بها حد الشعوذة، وتفعيل هذه الطاقة الاستقرائية وهو التعريف العلمي لها الطاقة من روح الله هو الاستقراء من كياسة المؤمن واستواء العقل أن يستقبل من أمره ما أستدبر عند تكرار وقائع، فيتحسب بحكمة لا يتعدى فيها حدود الله ولا عباده أو الناس.
على أن أجمل استخدام لهذه الحاسة بحسب “مالك” أن تزداد بها حكمة من لا يحسن استخدامها، ومن رحمته سبحانه وتعالى أنها موجودة لدى كل الناس بين العقل والقلب والنفس، فلا يدرك قيمتها إلا القليل، فيقول البعض (قلبي ما داير الحكاية دي ــ نفسي أبت) وما شابه ذلك، مضيفاً ومن جانبنا لابد أن نحسن الظن ببعضنا، ونطور النفس شريطة أن تكون زكية.
عيني ليها زمن ترف
من جانبه قال عنها البروفيسور “علي بلدو” استشاري الطب النفسي والعصبي: من النواحي التشريحية، فإن الحواس تشتمل على الخمس المعروفة، لكن توجد حاستان فطريتان في القلب والعقل لهما مدلولات نفسية عميقة، وعليه فإن وجود الحواس الخمسة مع وجود حاستي العقل والقلب، إضافة إلى الخبرات المكتسبة والتراكمية والصفاء النفسي، تؤدي إلى ظهور حاسة افتراضية، عبارة عن اندماج ومحصلة لكل هذه الحواس، ومضى بقوله إن بعض الأشخاص يتميزون بالقدرة على الاستقراء وفهم العلاقات والتنبؤ بالأحداث والشعور بالآخرين لوجود النواحي الوراثية ومعدل الذكاء والصفاء النفسي وأيضاً التنمية البشرية، كما ترتبط هذه الحاسة بالجوانب الروحية والمعتقدات الفكرية والثقافية.
وفي المجال النفسي قد يعاني البعض منها سلباً أو إيجاباً فيما يعرف بالمتلازمات المرضية الثقافية، ومنها على سبيل المثال (عيني بترف وقلبي محدثني وجلدي غزا)، وهي تعبيرات عن القلق والتوتر والشعور بالانقباض يصاحبها نوع من التخاطب والتعايش مع أناس بعيدين مكانياً، مثل أن يشعر أحدهم بألم في بطنه معتقداً أن ابنه المغترب يشعر بنفس الألم، أو الدخول في نوبة من البكاء على اعتبار أنه سيفقد عزيزاً، وقد يحدث ذلك أو لا، لكنه يجعل الشخص غير مستقر نفسياً ما يفقد الاستمتاع بالحياة.
ويضيف “بلدو” أنه يمكن الاستفادة من هذه الحاسة وتطويرها في مجالات التنمية البشرية والبرمجة العصبية اللغوية، وزيادة الملكات والمواهب والشعور بالتفاؤل والأمل عند التعامل مع الآخر، وزاد على ذلك بأنه لا يجب الاعتماد على هذه الحاسة في التعبير والحكم على الآخرين ما يؤدي إلى التفكك الأسري وانهيار النسيج الاجتماعي.
أحداث فلاش باك
أخيراً تساءلت (المجهر) إن كانت الملهمة التي تزور الشعراء ضرباً من ضروب الحدس، أجابنا الأستاذ الشاعر الكبير “التيجاني حاج موسى” بـ(نعم)، مضيفاً أن هناك ارتباطاً عضوياً وفسيولوجياً يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأدرينالين، مبيناً أنه أحياناً يمر أمام ناظريك شريط لأحداث سبق وأن شاهدتها مسبقاً في مخيلتك (فلاش) (لامن تتخلع أو تندهش)، وعقب “موسى” أنك في أحايين كثيرة تأبى أن تفصح عنها، وأردف مستشهداً بتناول الكاتب “محمود العقاد” للحاسة السادسة في كتابه (عبقرية عمر) وحادثة (يا سارية الجبل)، وشرع يحكي تفاصيلها عندما اعتلى “سيدنا عمر” المنبر مخاطباً المسلمين في المدينة، وفجأة أخذ ينادي (يا سارية الجبل.. يا سارية الجبل).. وهمهم ببعض الكلمات قبل أن يواصل الخطبة، وبعد انتهائه سأله سيدنا “علي بن أبي طالب” بأن ما قاله لا علاقة له بالخطبة.. فقال له: إنني في لمحة رأيت قائد جيوش المسلمين كان في تجريدة ومقدم على جبلين يحفهما الأعداء ما يعني الإطباق عليه، وبعدها أكد (سارية) أنه سمع نداء أمير المؤمنين واتخذ تدابير احترازية.