الألوان.. انعكاسات على الأمزجة وارتباط بطبائع البشر
يختلف الناس في مستوى تأثرهم بالمثيرات العصبية والألوان، ومدى تفاعلهم وانفعالهم بها باختلاف شخصياتهم ومكوناتهم البيئية والمجتمعية، بالإضافة إلى المنظور النفسي والحالة المزاجية لكل فرد على حدة. مثلاً اللون (الأحمر)، نجده قد عرف منذ أزمان بعيدة بأنه لون صارخ وحاد يعبر عن روح الثورة والجنوح والجموح والتمرد، ويتخذه الرفاق والثوريون والتقدميون رمزاً لهم، ويتجلى ذلك في قول الشاعر:
وللحرية الحمراء باب ** بكل يد مضرجة يدق
ولـ(الأحمر) أيضاً ارتباط بالملك والصولجان والعز والأبهة، ونجد أن (السجاد الأحمر) هو رمز الملوك والمشاهير والأثرياء، وعند السادة الصوفية من أتباع السيد الشيخ “أحمد البدوي” ارتبط (الأحمر) بملك الحضرة (السيد الملثم) عليه الرحمة. وعند النساء (المدسترات) أو اللائي يرتبطن بالزار ومعتقداته نجد (الريح الأحمر) الذي يمثل التحدي والاندفاع في الإشباع، الذي قد يكلف إحداهن عدداً كبيراً من علب السجائر وبعض المشروبات المحرمة لإرضائه وتنفيذ رغباته عبر طقوس غالباً ما تنتهي في أقسام النظام العام.
أما (الأخضر) فهو رمز للراحة النفسية والسلام والوئام والمحبة، وهو لون أصحاب الشخصيات الهادئة والمسالمة والواثقة والمرتاحة، ويعدّ من أهم أضلاع السعادة، بالإضافة للماء والوجه الحسن.
وعلى نفس الصعيد، نجد أن اللون (الأصفر) هو لون الشخصيات الدرامية التي تحب التألق والظهور، لذا قالوا (الداير يظهر يلبس أصفر)، وأصحاب الشخصيات التي تهوى استمالة الآخرين والإيحاء لهم، ومنها جاءت (الابتسامة الصفراء) كرمز للخديعة و(الاستهبال) كما قال الشاعر:
لا زال أبو سفيان بلحيته الصفراء ** يؤلب باسم اللات العصبيات القبلية
وأصحاب الشخصيات الهستيرية يعشقون هذا اللون بمختلف درجاته واكسسواراته، كما ارتبط بالمعدن النفيس الذهب وارتبط بالخواجات (بنو الأصفر)، وأيضاً اتخذ الناس الأصفر رمزاً للخوف والاضطراب من قولنا (اصفر لونه).
وعن (الأسود) فنجد أنه رمز للقوة والعنف البدني والقوة المادية، وهو راية الحرب، لذا نجد أن (الحزام الأسود) يعبر عن القوة، وقد تكون تلك القوة هي قوة روحية أو نفسية أو مادية، فهو رمز للطامحين والراغبين فيها ومن يتوقون لامتلاكها، كما أنه رمز للحزن وأصحاب النفوس المكتئبة والحزينة، وهو لون الحداد والنواح والبكاء والاحتجاج، وقد تكون (الشارة السوداء) هي تعبير عن احتجاج ضد ظاهرة معينة، مثل العنصرية في ملاعب الكرة الأوروبية مثلاً.
و(الأبيض) يمثل رمز السلام والصفاء، والناس (العلى نياتهم) وأصحاب القلوب النقية والصافية:
إنت يا الأبيض ضميرك ** صافي زي قلب الرضيع
وهو أصل الألوان وخلاصتها، لذا مثل بعداً دينياً وروحياً في النهايات والبدايات، فهو لون جلباب الصلاة في الغالب، ولون الكفن، ولون الدبلان الذي يعبر عن الزهد والتقشف والبعد عن الملذات (ده إذا فضلت فيها ملذات ذاتو)، لذا اتخذته الطريقة الشاذلية رمزاً لها باعتبار (من لم يتشذل لم يتكمل)، وكثيراً ما ارتبط بالشخصيات المتدينة والصوفية.
واللون (البنفسجي) ارتبط بالشخصيات النرجسية المحبة لذاتها، التي تقدس نفسها وتحتقر الآخرين، ولديها نزعة نحو الإعجاب بالنفس ومحاولة احتكار الآخرين، ولعل أشهرهم هو الأمير اليوناني “نارسيسس” الذي غرق في البحر من شدة إعجابه بنفسه، كما ارتبط اللون (البنفسجي) في الغرب عموماً بالقوة والشجاعة، وتعدّ جائزة (القلب البنفسجي) من أسمى التقاليد العسكرية.
وعموماً.. كل شخصية تنجذب نحو لون معين ويمثل عنواناً لها ضمن عناوين أخرى، إلا أن الأمر لا ينبغي أن يقتصر فقط على اللون في الحكم على الأشخاص، بل يجب أن يكون أكثر شمولاً وأكثر عمقاً.