أخبار

"درمة" .. من حفرَ حفرة لأخيه!!

{ عندما تجد أحدهم (يحفر) لزميله في العمل أو منافسه في التجارة.. أو في أيِّ مجال.. لسبب محدَّد.. أو لمجرَّد الرغبة الملحّة في (الحفر) للآخرين.. كهواية عند مرضى نفسيين يمشون بيننا!! عندما تجد أحدهم يفعل ذلك تستدعي الحكمة التاريخيَّة (من حفر حفرة لأخيه.. وقع فيها)..!!
{ لكن عندما يُذكر “عابدين درمة”، حفّار القبور المتطوِّع الأشهر في السودان، فإنَّ الحكمة تتنازل طوعاً عن معناها التاريخي، لتصير: (من حفر حفرة لأخيه آجره الله.. وأحبَّه الخلق)..!!
{ “درمة” من فصيلة (الأبطال الشعبيين).. وهم فئة متوَّجة في قلوب الناس.. عامَّة الناس.. بلا صولجان.. ومراسم.. ومناصب زائلة.. ويظل ذكرهم خالداً في حياتهم ومماتهم.. لا يتقاعدون.. ولا يقعون في (حفرة النسيان) التي ابتلعت كثيرين علا شأنهم.. ثم مضوا ولا أثر لهم!!
{ مناسبة هذه الكلمات الحوار (العميق) الذي أجراه الزميل “طلال إسماعيل” مع هذا البطل الشعبي.. ونُشر أمس في (المجهر).. وفيه تحدَّث “درمة” حديث المؤمنين.. وأقول المؤمنين لأنَّ هناك دلائل عندما نجدها في شخص نشهد له بالإيمان.. وأيُّ إيمان أقوى من اختيار العيش في (ظلال الموت) وإكرام (المنتقلين) من دار الفناء إلى دار الخلود؟!
{ لا أظن أن “عابدين” يستطيع ان يحصي عدد القبور التي شقها.. وعدد الأموات الذين (سترهم).. لكن لا يهم.. فهو متوكل على الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وأحصاها.. وقد بلغ به الزهد أن صار مبلغ أمنياته.. ليس منصباً.. و(فارهة).. أو الغنى إلى (جنا الجنا)!! بل يريد أن (يموت) وهو يُنزل جنازة في قبر!!
{ إلا أنَّ العجيب في شخصية “درمة” أنّه دائماً مبتسم.. وصاحب طرفة.. وهذا – عندي – من عميق إيمانه و(ركله) الدنيا وما فيها.. ومن طرائفه – وما أكثرها – التي أضحكتني حتى (إتشرقت).. أنّه ذهب لمعاودة المبدع المعتق “الفاتح الصباغ” – شفاه الله – فقال له مداعباً: (يا “عابدين”.. دا وققت تجيني فيهو)؟! فردَّ عليه “درمة” بحسه الفكاهي: (أحسن أجيك أنا وللا تجيني إنتَ)؟!
{ أعان الله “درمة” على فعل الخير.. وأثابه من فضله المواسع.. وهي ليست دعوة لتكريمه.. فمثله لا يرجو الإكرام إلا من (الكريم المقتدر).. فاطر السماوات والأرض.. فقط هي دعوة للنظر والاعتبار.. وأقترح على كل من أحسَّ بأنه متشبّث بهذه الدنيا أن يزوره.. ويتجاذب معه أطراف الحديث الذي لن يكون بالطبع إلا عن الموت وأسراره!!
{ بقي أن نقول – لمن لا يعرف – أن “درمة” ركل لقب (الباشمهندس) – وهو خريج جامعة السودان – وفضّل عليه لقب (حفار القبور)!! ويكفيه فخراً أنّه (التصق) بالأموات في وقت تعوَّد فيه الناس على (الالتصاق بالأحياء)!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية