رأي

السفير عبد المحمود عبدالحليم يكتب : دقش الذي عرفت

في حفل تأبينه بالقاهرة ..

دقش الذي عرفت ..

السفير عبد المحمود عبدالحليم

منذ الارتحال الفاجع لحبيبنا إبراهيم دقش إلى الضفة الأخرى تحصل الحزن على اقامة دائمة في دواخلنا .. ونصبت سرادق العزاء من القاهرة الى كيب تاون …بينما اسودت شاشات الفضائيات واندلق حبر المحابر ودخلت الصحف والمجلات في بيت حبس دائم….أعلم مقدار حزنك أختى بخيتة امين .. واشاطرك الوجع…

… كان ذلك فى بواكير انضمامنا للسلك الدبلوماسي وزيارات وفودنا لاديس ابابا لحضور مؤتمرات منظمة الوحدة الافريقية حيث توثقت صلاتنا به….كنا بالطبع نعرفه سلفا من خلال اسهاماته الصحفية التى كنا نتابعها ، فالتميز كائن اشعاعى ياتيك ضؤه وصداه اينما كنت…يلفت نظرك انه اول المستقبلين وآخر من يدعو لك بوداعة الله عند الرسول وانت تغادر من اديس ابابا مطارها…وبيت دقش هناك احد معالم المدينة وزينتها ..وهو محجة السودانيين ومقصدهم وواحتهم ..ودقش هناك واسطة العقد وزينة المجالس والسمار…لم ارى ابتسامة اجمل من تلك التى تعلو وجهه الصبوح او اصدق من ضحكته ذات الماركة المسجلة….عندما كان يمر بنا القطار في سفراتنا للشمال بمحطة دقش كانت الدهشة تصيبنا بتساؤل فحواه كيف يكون حال الناس في تلك البقعة الجرداء والصعبة…لكنا وجدنا الاجابة فى قوة شخصية ابراهيم دقش وصلابته التى تخفيها روحه المرحة…وهى القوة والصلابة التى جعلته الابرز فى مجتمع اديس ابابا الدبلوماسي وصاحب النفوذ الكبير بمنظمة الوحدة الافريقية بل ليصبح الناطق الرسمى للمنظمة القارية ، والمتحدث باسمها , والمؤسس والمدير لوكالة الانباء الافربقية ،و صوت القارة المعبر عن طموحاتها واشجانها فيى الانعتاق و التحرر والتنمية والتضامن القارى…عرفته القارة من اقصاها الى ادناها وبكته بدمع سخين…وعرفه مجتمع الرؤساء والقادة واحبوا السودان فى شخصه وهو عندهم صاحب الشورة وحلال المشكلات وقاضي العوجات…ودقش اكثر شخصيات السودان المعروفة فى افريقيا …تعرفه شعوب الجنوب الافريقى…اما فى شرقها فهو ابنهم البار…واسال عنه في شمال القارة وغربها…ولذلك لم يكن غريبا ان يصبح رحيله يوم حداد افريقى…وقد خدم دقش بلاده من موقعه كما لم يخدمها اى موظف دولى اخر ويشهد له بذلك عقد مؤتمرين هامين فى فترة حرجة وهما مؤتمر وزراء الاعلام الافارقة والمؤتر الوزارى للاجئين الافارقة بالعاصمة الخرطوم…وكانت الخبرات والمساهمات التى قدمها في مجالات النيباد ، وآلية القادة النظراء ، وفى اطار جهود الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ثرة ومشهودة ومعلومة. ..اما دقش الكاتب الصحفى المتفرد فحدث ولاحرج ..فهو صاحب المفردة الندية والفكرة القوية والتعبير السلس …ستفقده شاشات التلفزة والبرامج الحوارية وتفتقده الوكالات والوسائط مثلما بفتقده القراء والمشاهدين على امتداد القارات والامكنة…

…ماذا عساى أن أضيف..فلعلى احتاج لمجلدات للحديث عن الدكتور ابراهيم دقش الدبلوماسي المتفرد، والخبير الاعلامى المتميز، والكاتب الصحفى الشهير…بل عن دقش الادارى الرفيع، والمعلم المقتدر ، ونجم المجتمع.المحبوب …اما دقش رب الاسرة فذلك شئ بديع آخر…فقد شكل ثنائيا رائعا ولامثيل له مع رفيقة دربه الغالية الدكتورة بخيتة امين ….فكانا مثل النيل عطاء لاولاده وبناته المتميزين والمتميزات ، ولكل من عرفهم… وكانت دارهم بامدرمان قبلة للاحباء والاصدقاء وعارفى الفضل……اذا لم تحضر افطار الجمعة بدار دقش فقد ضاعت عنك أشياء….. كنت احدثه عن تميز ابنته رانيا التى كانت تعمل بالامانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك ابان عملى مندوبا دائما للسودان بالمنظمة الدولية ، واشادات الامين العام بان كى مون المتكررة بها كلما التقانى ، فيبتسم ابتسامته تلك فرحا….ذات الفرح الذى عبر عنه عند ولاده ابنه الاكبر هيثم الجراح بلندن، والانشراح الذى ينتابه وهو يحكى قصة اللقاء الاول ومعرفته ببخيته……

….الآن يحتجب ابراهيم دقش.. ومثله لا يموت…..نسأل الله ان يجزل عليه فيوض رحمته ووفير غفرانه ، وان يحسن قبوله…. ومثلما علمنا دقش دروس الحياة فقد علمنا برحيله ان الانسان فيها ” عابر سبيل ” ……..

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية