تحرير الوقود .. الصدمة في زمن الفرح !!
قبل أن تبلغ تأثيرات قرار الرئيس الأمريكي رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ، مداها الإيجابي من خلال التراجع المضطرد في سعر الدولار و العملات الأجنبية في سوقٍ هشة تنهار على وقع الأخبار الإقتصادية و السياسية المُفرِحة ، و تصعد أسعارها سريعاً بالشائعات و التصريحات المُحبِطة ، قبل أن تبلغ التأثيرات مداها ، لحِقت وزيرة المالية المكلفة الدكتورة “هبة محمد علي” ، بالقرار الأمريكي الذي طالما انتظره الشعب السوداني ، فعفصته و (داسته دوس) و كأنه (كوز) مُتوَهم ، بإعلانها نيتها تعويم الجنيه السوداني مقابل الدولار ، لتوحيد سعري النقد الأجنبي الرسمي و الموازي ، سعياً لاستقطاب مدخرات المغتربين !!
فإذا بالدولار في سوق العجايب السودانية يرتفع من 220 إلى 240 جنيهاً ، خلال 24 ساعة ، و هذا لا يحدث إلاّ في السودان !!
و الأسباب دائماً ليست اقتصادية بحتة ، بل سيكولوجية مرتبطة بحالة اللهاث التي تعتري جموع المواطنين ، فيهرعون لحفظ مدخراتهم بالعملة الأجنبية عند الإحساس بعدم الأمان ، ثم يسارعون إلى بيع الدولار و تحويله إلى جنيه سوداني حين الشعور باطمئنان نسبي مع تداول بشريات بانفراجة اقتصادية !!
بالتأكيد .. لم ترتفع قيمة عائدات الصادر من الذهب و السمسم و المواشي ، عندما هبط الدولار نحو 40 جنيهاً دفعةً واحدة ، من 260 إلى 220 جنيهاً ، خلال يوم واحد !! بل كانت مجرد تغريدة (نُص كُم) أطلقها الرئيس “ترمب” يُبشِّرنا فيها بقرب إزالة اسم السودان من قائمتهم السوداء !!
اليوم .. ترتكب وزيرة المالية مع وزير الطاقة خطأً كارثياً جديداً ، بإعلان تحرير أسعار البنزين و الجازولين ، مباشرةً بعد عودة الدولار للصعود !! فتحسب شركات البترول المستوردة ، الدولار بقيمة 240 جنيهاً .
لماذا صدر قرار تحرير المشتقات النفطية في هذا التوقيت بالذات ؟ .. و ما معنى الصدمة في زمن الفرح ؟! و لماذا لم تتعلم حكومة ” حمدوك” من تجاربها و تجارب النظام السابق أن طرح (سعرين) لسلعة واحدة في السوق ، يعني تسرب البنزين و الجاز المدعوم(المُنتَج محلياً و تكلفته بالتأكيد أقل بكثير من كلفة المستورد) .. تسربه من محطات بل و شركات سعرها المعلن 250 جنيهاً لجالون البنزين إلى محطات و سوق مجاور يبيع الجالون بإذن الحكومة ب540 جنيهاً ، و بالتالي لن يجد المواطن بنزيناً بالسعر المدعوم من انتاجنا المحلي الذي يُفترض أن كميته – حسب وزارة الطاقة – تساوي 70% من جملة استهلاك البلاد .
لقد ظلت حالة انعدام الوقود مستمرة منذ شهور ، فلماذا لم تنتظر وزارة المالية ، وتدبر حالها بالاستدانة و الاقتراض من مصادر خارجية لشهرين آخرين ، حتى تكتمل دورة تأثيرات القرار الأمريكي و انفتاح مؤسسات التمويل الدولية على السودان ، ثم تقرر بعدها رفع الدعم عن المحروقات ، و حينها ربما يكون سعر الدولار في السوق الموازية أقل من 180 جنيهاً .
إن الأزمة حالياً .. ستكون مزدوجة جراء قرار تحرير الوقود في هذا التوقيت ، بسبب تسعيره بدولار مرتفع ، كما أن تحرير الوقود نفسه يدفع السوق إلى زيادة متوالية في سعر الدولار ، جراء تسابق شركات البترول على شراء النقد الأجنبي من السوق الموازية !
أتعجب من أمر هذه الكفاءات .. دكاترة الاقتصاد .. ” عبدالله حمدوك” ، “الشيخ خضر” ، “آدم حريكة ” و “هبة محمد علي” !
لطفك يا رب .. بشعب مفجوعٍ في ثورته .. محسور على تغيير حصاده هشيم .. و واقعه جحيم .